الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَمَا قُلْت إنِّي أَقْتَصُّ بِهِ مِنْ الْقَاتِلِ إذَا صَنَعَهُ بِالْمَقْتُولِ فَلِوُلاَةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَفْعَلُوا بِالْقَاتِلِ مِثْلَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْدَخَ رَأْسَهُ بِصَخْرَةٍ فَيُخَلَّى بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ صَخْرَةٍ مِثْلِهَا وَيُصَيِّرُ لَهُ الْقَاتِلَ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِهَا عَدَدَ مَا ضَرَبَهُ الْقَاتِلُ إنْ كَانَتْ ضَرْبَةً فَلاَ يَزِيدُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَيْنِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ فَإِذَا بَلَغَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَدَدَ الضَّرْبِ الَّذِي نَالَهُ الْقَاتِلُ مِنْ الْمَقْتُولِ فَلَمْ يَمُتْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ وَلَمْ يُتْرَكْ وَضَرَبَهُ بِمِثْلِ مَا ضَرَبَهُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَيْفٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ بِغَيْرِ السَّيْفِ إنَّمَا يَكُونُ بِمِثْلِ الْعَدَدِ فَإِذَا جَاوَزَ الْعَدَدُ كَانَ تَعَدِّيًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا أَمْكَنْتُهُ مِنْ قَتْلِهِ بِالسَّيْفِ; لِأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ إفَاتَةُ نَفْسِهِ مَعَ مَا نَالَهُ بِهِ مِنْ ضَرْبٍ فَإِذَا لَمْ تَفُتْ نَفْسُهُ بِعَدَدِ الضَّرْبِ أَفَتُّهَا بِالسَّيْفِ الَّذِي هُوَ أَوْحَى الْقَتْلِ. وَهَكَذَا إذَا كَانَ قَتَلَهُ بِخَشَبَةٍ ثَقِيلَةٍ أَوْ ضَرْبَةٍ شَدِيدَةٍ عَلَى رَأْسِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الدَّامِغِ أَوْ الشَّادِخِ أَمْكَنْت مِنْهُ وَلِيَّ الْقَتِيلِ فَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ أَوْ سِيَاطٍ رَدَّدَهَا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ أُمَكِّنْ مِنْهُ وَلِيَّ الْقَتِيلِ; لِأَنَّ الضَّرْبَةَ بِالْخَفِيفِ تَكُونُ أَشَدُّ مِنْ الضَّرْبَةِ بِالثَّقِيلِ وَلَيْسَ هَذِهِ مَيْتَةٌ وَحِيَّةٌ فِي الظَّاهِرِ وَقُلْت لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ: إنْ شِئْت أَنْ تَأْمُرَ مَنْ يَرْفُقُ بِهِ فَيُقَالُ لَهُ تَحَرَّ مِثْلَ ضَرْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنْ قَدْ جِئْت بِمِثْلِ ضَرْبِهِ وَأَخَفَّ حَتَّى تَبْلُغَ الْعَدَدَ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا خُلِيَتْ وَضَرْبَ عُنُقِهِ بِالسَّيْفِ, وَإِنْ كَانَ رَبَطَهُ, ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ أُحْمِيَتْ لَهُ نَارٌ كَتِلْكَ النَّارِ لاَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَخَلَّى وَلِيُّ الْقَتِيلِ بَيْنَ رَبْطِهِ بِذَلِكَ الرِّبَاطِ وَإِلْقَائِهِ فِي النَّارِ قَدْرَ الْمُدَّةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا الْمُلْقَى فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا أُخْرِجَ مِنْهَا وَخُلِّيَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَهَكَذَا إذَا رَبَطَهُ وَأَلْقَاهُ فِي مَاءٍ فَغَرَّقَهُ أَوْ رَبَطَ بِرِجْلِهِ رَحَا فَغَرَّقَهُ خُلِّيَ بَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُ فَأَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَدْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا أُخْرِجَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي مَهْوَاةٍ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَهْوَاة بِعَيْنِهَا أَوْ فِي مِثْلِهَا فِي الْبُعْدِ وَشِدَّةِ الْأَرْضِ لاَ فِي أَرْضٍ أَشَدَّ مِنْهَا فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ خَنَقَهُ بِحَبْلٍ حَتَّى قَتَلَهُ خُلِّيَ بَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَخَنْقِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْحَبْلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ إذَا كَانَ مَا صَنَعَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ الْمُوحِي خَلَّيْت بَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُ, وَإِذَا كَانَ مِمَّا يَتَطَاوَلُ بِهِ التَّلَفُ لَمْ أُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَتَلْتُهُ بأوحى الْمِيتَةِ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مِنْ الْمَفْصِلِ أَوْ جَرَحَهُ جَائِفَةً أَوْ مُوضِحَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ; لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لاَ يَكُونُ تَلَفًا وَحِيًّا وَخُلِّيَ بَيْنَ مَنْ يَقْطَعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلَ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَمَنْ يَقْتَصُّ مِنْ الْجِرَاحِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْجِرَاحِ فَإِنْ مَاتَ مَكَانَهُ وَإِلَّا خُلِّيَ بَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَضَرْبِ عُنُقِهِ, وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ضَرَبَ وَسَطَ الْمَقْتُولِ بِسَيْفٍ ضَرْبَةً فَأَبَانَهُ بِاثْنَيْنِ خُلِّيَ بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ بَدَأَهَا مِنْ قِبَلِ الْبَطْنِ خُلِّيَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ فَبَدَأَهَا مِنْ قِبَلِ الْبَطْنِ فَإِنْ أَبَانَهُ وَإِلَّا أُمِرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا خُلِّيَ بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَهُ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ فَضَرَبَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ مُنِعَ الضَّرْبَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَأُمِرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي ضَرْبِ عُنُقِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ أُمِرَ بِأَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ فَضَرَبَ كَتِفَيْهِ أَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَوْقَ عُنُقِهِ لِيَطُولَ الْمَوْتُ عَلَيْهِ, فَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَيْ الرَّجُلِ وَرِجْلَيْهِ وَجَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَاتِ أَوْ بَعْضِهَا فَلِأَوْلِيَائِهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ فَإِنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ وَسَأَلُوا أَنْ يُعْطُوا أَرْشَ الْجِرَاحَاتِ كُلِّهَا وَالنَّفْسِ أَوْ أَرْشَ الْجِرَاحَاتِ دُونَ النَّفْسِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ وَكَانَتْ لَهُمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَكُونُ الْجِرَاحَاتُ سَاقِطَةٌ بِالنَّفْسِ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ أَوْ بَعْضِهَا. وَهَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ رَجُلاَنِ أَوْ ثَلاَثَةٌ فَلَمْ تَلْتَئِمْ الْجِرَاحَةُ حَتَّى مَاتَ فَاخْتَارُوا الدِّيَةَ كَانَتْ لَهُمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ, وَلَوْ بَرِئَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ضُمِّنَ مِنْ الْجِرَاحِ, ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَلْتَئِمَ الْجِرَاحُ أَوْ بَعْدَ الْتِئَامِهَا فَسَأَلَ وَرَثَتُهُ الْقِصَاصَ مِنْ الْجِرَاحِ أَوْ أَرْشَهَا كُلَّهَا أُخِذَ الْجَانِي بِالْقِصَاصِ أَوْ أَرْشِهَا كُلِّهَا وَإِنْ كَانَتْ دِيَاتٌ كَثِيرَةٌ; لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ نَفْسًا وَإِنَّمَا هِيَ جِرَاحٌ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَوَرَثَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَالَ: الْجَانِي مَاتَ مِنْهَا وَقَالَ وَرَثَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ: لَمْ يَمُتْ مِنْهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ وَعَلَى الْجَانِي الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِنْهَا ضَمِنًا حَتَّى مَاتَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ مَوْتُهُ مِنْهَا وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَآخَرُ رِجْلَهُ وَجَرَحَهُ آخَرُ, ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ: بَرِئَ مِنْ جِرَاحِ أَحَدِهِمْ وَمَاتَ مِنْ جِرَاحِ الْآخَرِ فَإِنْ صَدَّقَهُمْ الْجَانُونَ فَالْقَوْلُ مَا قَالُوا وَعَلَى الَّذِي مَاتَ مِنْ جِرَاحِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ الْأَرْشُ وَعَلَى الَّذِي بَرَأَتْ جِرَاحَتُهُ الْقِصَاصُ مِنْ الْجِرَاحِ أَوْ دِيَةُ الْجِرَاحِ وَإِنْ صَدَّقَهُمْ الَّذِي قَالَ إنَّ جِرَاحَهُ بَرَأَتْ وَكَذَّبَهُمْ الَّذِي قَالَ إنَّ جِرَاحَهُ لَمْ تَبْرَأْ فَقَالَ بَلْ مَاتَ مِنْ جِرَاحِ الَّذِي زَعَمْت أَنَّ جِرَاحَهُ بَرَأَتْ وَبَرَأْت جِرَاحِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ, وَلاَ يَلْزَمُهُ الْقَتْلُ أَبَدًا وَلاَ النَّفْسُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ الْمَجْرُوحَ لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنْ جِرَاحِ الْجَارِحِ حَتَّى مَاتَ وَلَوْ قَالَ مَاتَ مِنْ جِرَاحِنَا مَعًا فَمَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ جَعَلَ عَلَى الَّذِي أَقَرَّ الْقَتْلَ فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ الدِّيَةَ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفَهَا; لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحِنَا مَعًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَسَرَ الرَّجُلُ سِنَّ الرَّجُلِ مِنْ نِصْفِهَا سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنْ قَالُوا نَقْدِرُ عَلَى كَسْرِهَا مِنْ نِصْفِهَا بِلاَ إتْلاَفٍ لِبَقِيَّتِهَا وَلاَ صَدْعٍ أَقَدْته وَإِنْ قَالُوا: لاَ نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ نُقِدْهُ لِتَفَتُّتِهَا وَإِذَا قَلَعَ رَجُلٌ ظُفُرَ رَجُلٍ فَسَأَلَ الْقَوَدَ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ: تَقْدِرُونَ عَلَى قَلْعِ ظُفُرِهِ بِلاَ تَلَفٍ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ أُقِيدَ, وَإِنْ قَالُوا لاَ فَفِي الظُّفُرِ حُكُومَةٌ وَإِنْ قَطَعَ الرَّجُلُ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ وَلاَ ظُفُرَ لِلْمَقْطُوعَةِ أُنْمُلَتُهُ فَسَأَلَ الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ لَهُ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ظُفُرُهَا مَقْطُوعًا قَطْعًا لاَ يَثْبُتُ لاَ قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرًا لِنَقْصِهَا عَنْ أُنْمُلَةِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ وَمَا كَانَ فِي سِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ مِنْ عَوَارٍ لاَ يُفْسِدُ الظُّفُرَ وَإِنْ كَانَ يَعِيبُهُ وَكَانَ لاَ يُفْسِدُ السِّنَّ بِقَطْعٍ وَلاَ سَوَادَ يَنْقُصُ الْمَنْفَعَةَ أَوْ كَانَ أَثَرُ قُرْحَةٍ خَفِيفًا كَانَ لَهُ الْقِصَاصُ, وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ مَقْطُوعَ أُنْمُلَةٍ فَقَطَعَ رَجُلٌ أُنْمُلَتَهُ الْوُسْطَى, وَالْقَاطِعُ وَافِرُ تِلْكَ الْأُصْبُعِ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ أُنْمُلَتُهُ الْوُسْطَى الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ الْأُنْمُلَةَ الَّتِي مِنْ طَرَفٍ بِوُسْطَى وَلاَ الْوُسْطَى فَتُقْطَعَ بِأُنْمُلَتِهِ الَّتِي قَطَعَ مِنْ طَرَفٍ وَلَمْ يَقْطَعْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ خِنْصَرٍ مِنْ طَرَفٍ مِنْ رَجُلٍ وَأُنْمُلَةَ خِنْصَرِ الْوُسْطَى مِنْ آخَرَ مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ جَاءَا مَعًا اقْتَصَّ مِنْهُ لِأُنْمُلَةِ الطَّرَفِ ثُمَّ اقْتَصَّ مِنْهُ أُنْمُلَةَ الْخِنْصَرِ الْوُسْطَى وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُ الْوُسْطَى قَبْلَ صَاحِبِ الطَّرَفِ قِيلَ: لاَ قِصَاصَ لَكَ وَقُضِيَ لَهُ بِالدِّيَةِ وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُ الطَّرَفِ فَقَطَعَ لَهُ الطَّرَفَ فَسَأَلَ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالدِّيَةِ رَدَّهَا إنْ كَانَ أَخَذَهَا أَوْ إبْطَالَهَا إنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهَا, وَيَقْطَعُ لَهُ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى قِصَاصًا لَمْ يُجَبْ إلَى ذَلِكَ; لِأَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ الْقِصَاصَ وَجَعَلَ أَرْشًا, وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ وَسَطَ أُنْمُلَةِ رَجُلٍ الْوُسْطَى فَقُضِيَ لَهُ بِالْأَرْشِ, ثُمَّ انْقَطَعَ طَرَفُ أُنْمُلَتِهِ, فَسَأَلَ الْقِصَاصَ لَمْ يُقَصَّ لَهُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُ الْوُسْطَى حَتَّى انْقَطَعَ طَرَفُ أُنْمُلَتِهِ أَوْ قُطِعَ بِقِصَاصٍ كَانَ لَهُ الْقِصَاصُ. وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ وَالْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ نِضْوُ الْخَلْقِ ضَعِيفُ الْأَصَابِعِ قَصِيرُهَا أَوْ قَبِيحُهَا أَوْ مَعِيبٌ بَعْضُهَا عَيْبًا لَيْسَ بِشَلَلٍ وَالْقَاطِعُ تَامُّ الْيَدِ وَالْأَصَابِعِ حَسَنُهَا قُطِعَتْ بِهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ هُوَ التَّامُّ الْيَدِ وَالْقَاطِعُ هُوَ الناقصها كَانَتْ لَهُ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقِصَاصِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ وَفِيهَا أُصْبُعٌ شَلَّاءُ أَوْ مَقْطُوعَةُ أُنْمُلَةٍ وَالْقَاطِعُ تَامُّ الْأَصَابِعِ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ لِلْمَقْطُوعِ لِنَقْصِ يَدِهِ عَنْ يَدِهِ وَلَوْ قَالَ: اقْطَعُوا لِي مِنْ أَصَابِعِهِ بِقَدْرِ أَصَابِعِي وَأُبْطِلُ حَقِّي فِي الْكَفِّ قُطِعَ لَهُ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ قَطْعِ الْكَفِّ كُلِّهَا. وَإِذَا كَانَتْ فِي الرَّجُلِ الْحَيَاةُ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى أَصَمَّ فَقَتَلَهُ صَحِيحٌ قُتِلَ بِهِ لَيْسَ فِي النَّفْسِ نَقْصُ حُكْمٍ عَنْ النَّفْسِ وَفِيمَا سِوَى النَّفْسِ نَقْصٌ عَنْ مِثْلِهِ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ إذَا كَانَ النَّقْصُ عَدَمًا أَوْ شَلَلاً أَوْ فِي مَوْضِعِ شَجَّةٍ وَغَيْرِهَا. فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً شَجَّ رَجُلاً فِي قَرْنِهِ وَالشَّاجُّ أَسْلَخُ الْقَرْنِ فَلِلْمَشْجُوجِ الْخِيَارُ فِي الْقِصَاصِ أَوْ أَخْذُ الْأَرْشِ. وَلَوْ كَانَ الْمَشْجُوجُ أَسْلَخَ الْقَرْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَشْجُوجِ الْقِصَاصُ; لِأَنَّهُ أَنْقَصُ الشَّعْرِ عَنْ الشَّاجِّ. وَلَوْ كَانَ خَفِيفَ الشَّعْرِ أَوْ فِيهِ قَرَعٌ قَلِيلٌ يَكْتَسِي بِالشَّعْرِ إنْ طَالَ شَيْءٌ كَانَ لَهُ الْقِصَاصُ (قَالَ الرَّبِيعُ) قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ: لاَ تُقْطَعُ أُصْبُعٌ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ وَلاَ نَاقِصَةُ أُنْمُلَةٍ وَلَهُ حُكُومَةٌ فِي الشَّلَّاءِ وَأَرْشُ الْمَقْطُوعَةِ الْأُنْمُلَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى عَيْنِ الرَّجُلِ فَفَقَأَهَا فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ سَأَلَ أَنْ يُمْتَحَنَ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لاَ يُبْصِرُ بِهَا فَلَيْسَ فِي هَذَا مُثْلَةٌ وَفِي هَذِهِ الْقَوَدُ إنْ كَانَ عَمْدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَقْلَ فَإِذَا شَاءَ الْعَقْلَ فَفِيهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفِيهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثَا الْخَمْسِينَ فِي مُضِيِّ سَنَةٍ, وَثُلُثُ الْخَمْسِينَ فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ: فَإِنْ جُرِحَتْ عَيْنُ رَجُلٍ أَوْ ضُرِبَتْ وَابْيَضَّتْ فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهَا سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَا فَإِنْ قَالُوا قَدْ نُحِيطُ بِذَهَابِ الْبَصَرِ عِلْمًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ عَلَى ذَهَابِ الْبَصَرِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ إلَّا شَاهِدَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ عَدْلاَنِ. وَقُبِلَ إنْ كَانَتْ خَطَأً لاَ قَوَدَ فِيهَا شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُ مَنْ يَقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْبَصَرِ فَإِنْ قَالُوا إذَا ذَهَبَ الْبَصَرُ لَمْ يَعُدْ وَقَالُوا: نَحْنُ نَعْلَمُ ذَهَابَهُ وَمَكَانَهُ قُضِيَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْأَرْشَ أَوْ الْأَرْشَ فِي الْخَطَأِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَصَرِ فَقَالُوا مَا يَكُونُ عِلْمُنَا بِذَهَابِ الْبَصَرِ عِلْمًا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُدَّةٌ, ثُمَّ نَنْظُرُ إلَى بَصَرِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عَلَى مَا نَرَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ حَتَّى تَأْتِيَ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَا لَمْ يَحْدُثْ عَلَيْهِ حَادِثٌ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ هَكَذَا عَدَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ لَمْ أَقْضِ لَهُ حَتَّى تَأْتِيَ تِلْكَ الْمُدَّةُ الَّتِي يُجْمَعُونَ عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ وَلَمْ يُبْصِرْ فَقَدْ ذَهَبَ الْبَصَرُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْبَصَرِ فِي أَنَّهَا لاَ تَعُودُ لِيُبْصِرَ بِهَا أَحَلَفْت الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مَعَ شَاهِدِهِ فِي الْخَطَأِ وَقَضَيْت بِذَهَابِ بَصَرِهِ فَإِذَا شَهِدَ مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَنَّ بَصَرَهُ قَدْ ذَهَبَ وَأَخَّرْته إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي وَصَفُوا أَنَّهُ إذَا بَلَغَهَا قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ لاَ يَعُودُ بَصَرُهُ فَمَاتَ قَبْلَهَا أَوْ أَصَابَ عَيْنَهُ شَيْءٌ بَخَقَهَا فَذَهَابُهَا مِنْ الْجَانِي الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ ذَهَابَ بَصَرِهَا مِنْ وَجَعٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي الْآخَرِ إلَّا حُكُومَةٌ: وَكَانَ عَلَى الْجَانِي الْأَوَّلِ الْقَوَدُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَالْعَقْلُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً. وَإِنْ قَالَ الْجَانِي الْأَوَّلُ أَحْلِفُوا لِي الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مَا عَادَ بَصَرُهُ مُنْذُ جَنَيْت عَلَيْهِ إلَى أَنْ جَنَى هَذَا عَلَيْهِ فَعَلْنَاهُ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَحْلِفُوا وَرَثَتَهُ أَحَلَفْنَاهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَصَرُهُ ذَهَبَ, أُحْلِفُوا لَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ أَنْ قَدْ أَبْصَرَ أَوْ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا قَدْ ذَكَرَ أَنَّ بَصَرَهُ عَادَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَيْنَاهُ يُبْصِرُ بِعَيْنِهِ أَبْطَلْنَا جِنَايَةَ الْأَوَّلِ وَجَعَلْنَا الْجِنَايَةَ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْهُ إلَّا بَعْدَ جِنَايَةِ الْآخَرِ بَطَلَتْ جِنَايَةُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْآخَرِ; لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى بَصَرِهِ وَهُوَ ذَاهِبٌ وَلاَ يَعْلَمُ ذِكْرُهُ رُجُوعَ بَصَرِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ. أَوْ أُحْلِفَ الْجَانِي الْآخَرُ لَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ وَمَا يُبْصِرُ مِنْ جِنَايَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ جِنَايَتِهِ. وَهَكَذَا وَرَثَتُهُ لَوْ قَالُوا قَوْلَهُ وَإِنَّمَا أَقْبَلُ قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ إذَا ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوا. فَإِنْ قَالَ هُوَ: أَنَا أُبْصِرُ أَوْ قَدْ عَادَ إلَيَّ بَصَرِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ سَاقِطَةٌ عَنْ الْجَانِي, وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ قَدْ يَذْهَبُ الْبَصَرُ لِعِلَّةٍ فِيهِ, ثُمَّ يُعَالَجُ فَيَعُودُ أَوْ يَعُودُ بِلاَ عِلاَجٍ وَلاَ يُؤَيَّسُ مِنْ عَوْدَتِهِ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ تُبْخَقَ الْعَيْنُ أَوْ تُقْلَعَ وَقَالُوا قَدْ ذَهَبَ بَصَرُ هَذَا وَالطَّمَعُ بِهِ السَّاعَةَ وَبَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ وَالْيَأْسُ مِنْهُ سَوَاءٌ فَإِنِّي أَقْضِي لَهُ مَكَانَهُ بِالْأَرْشِ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وَالْقَوَدِ إنْ كَانَتْ عَمْدًا, وَكَذَلِكَ أَقْضِي لِلرَّجُلِ الَّذِي قَدْ ثُغِرَ بِقَلْعِ سِنِّهِ وَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَعُودُ وَلاَ يَعُودُ, وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ: مَا عِنْدَنَا مِنْ هَذَا عِلْمٌ صَحِيحٌ بِحَالٍ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً أَحَلَفْت الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ, ثُمَّ قَضَيْت لَهُ بِالْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعَقْلَ فِيهِ وَقَضَيْت لَهُ بِالْعَقْلِ فِي الْخَطَأِ فَإِذَا قَضَيْت لَهُ بِقَوَدٍ أَوْ عَقْلٍ, ثُمَّ عَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ لَهُ فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ أَنَّ الْبَصَرَ قَدْ يَعُودُ بَعْدَ ذَهَابِهِ بِعِلاَجٍ أَوْ غَيْرِ عِلاَجٍ لَمْ أَجْعَلْ لِلْمُسْتَقَادِ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ أَرُدَّهُ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ عَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ لَمْ أَعْدُ عَلَيْهِ بِفَقْءِ بَصَرِهِ وَلاَ سَمْلِهِ وَلاَ بِعَقْلٍ. وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ: لاَ يَكُونُ أَنْ يَذْهَبَ الْبَصَرُ بِحَالٍ, ثُمَّ يَعُودُ بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَلَكِنْ قَدْ تَعْرِضُ لَهُ الْعِلَّةُ تَمْنَعُهُ الْبَصَرَ ثُمَّ تَذْهَبُ الْعِلَّةُ فَيَعُودُ الْبَصَرُ فَاسْتُقِيدَ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ عَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ لَهُ لَمْ يُرْجَعْ عَلَى الْمُسْتَقَادِ لَهُ بِعَوْدِ الْبَصَرِ وَلاَ عَلَى الْوَالِي بِشَيْءٍ وَأُعْطِيَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ أَرْشَ عَيْنِهِ مِنْ عَاقِلَةِ الْحَاكِمِ, وَقَدْ قِيلَ: يُعْطَاهُ مِمَّا يَرْزُقُ السُّلْطَانُ وَيُصْلِحُ أَمْرَ رِعَايَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُمُسِ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْ الْجَانِي أَوْ عَاقِلَتِهِ أَرْشَ الْعَقْلِ, ثُمَّ عَادَ بَصَرُهُ رَجَعَ الْجَانِي أَوْ عَاقِلَتُهُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَلاَ يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ لَهُ وَعَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ عِيدَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِمَا يُذْهِبُ بَصَرُهُ, ثُمَّ كُلَّمَا عَادَ بَصَرُهُ عِيدَ لَهُ فَأُذْهِبَ قَوَدًا أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْعَقْلَ إنْ شَاءَ ذَلِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ الْمُصَابَةُ عَيْنُهُ مَغْلُوبًا أَوْ صَبِيًّا لاَ يَعْقِلُ فَإِذَا قَبِلْت قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ جَعَلْت عَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ الْأَرْشَ فِي الْخَطَأِ. وَكَذَلِكَ أَجْعَلُهُ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي قَوَدٌ. وَلَمْ أَنْتَظِرْ بِهِ شَيْئًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَقْضِي بِهِ فِيهِ لِلَّذِي يَعْقِلُ وَيَدَّعِي ذَهَابَ بَصَرِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَهَابِهِ, وَإِذَا لَمْ أَقْبَلْ قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ لَمْ أَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَيْنِهِ الْقَائِمَةِ بِشَيْءٍ بِحَالٍ حَتَّى يُفِيقَ الْمَعْتُوهُ أَوْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَيَدَّعِي ذَهَابَ بَصَرِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَمُوتَا فَيُقْضَى بِذَلِكَ لِوَرَثَتِهِمَا وَتَحْلِفُ وَرَثَتُهُ لَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ, وَإِذَا كَانَ مَا لاَ شَكَّ فِيهِ مِنْ بَخْقِ الْبَصَرِ أَوْ إخْرَاجِ الْعَيْنِ فِي الْخَطَأِ قُضِيَ لِلْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مَكَانَهُمْ بِالْعَقْلِ, وَلِلْبَالِغِ بِالْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ إذَا طَلَبَهُ. وَيُحْبَسُ الْجَانِي فِي الْعَمْدِ عَلَى الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ أَبَدًا حَتَّى يُفِيقَ هَذَا وَيَبْلُغَ هَذَا فَيَلِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَمُوتُ فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ فِيهِ مَقَامَهُ وَمَتَى مَا بَلَغَ هَذَا أَوْ أَفَاقَ هَذَا جَبَرْته مَكَانَهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْعَقْلِ أَوْ الْقَوَدِ أَوْ الْعَفْوِ وَلَمْ أَحْبِسْ الْجَانِي أَكْثَرَ مِنْ بُلُوغِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ. وَكَذَلِكَ أُجْبِرُ وَارِثَهُ إنْ مَاتَ إنْ كَانَ بَالِغًا, وَإِذَا اُبْتُلِيَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقَبِلْت قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ فَقَالُوا لَمْ يَذْهَبْ الْآنَ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَقَدْ سَلِمَ أَنْتَظِرَ بِهِ وَقَبِلَ قَوْلُهُمْ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ الْجَانِي. وَإِذَا قَبِلْت قَوْلَهُمْ فَقَالُوا: إذْ لَمْ يَذْهَبْ الْآنَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَلاَ يَذْهَبُ إلَّا مِنْ حَادِثٍ بَعْدَهُ أَبْطَلْت الْجِنَايَةَ, وَإِذَا لَمْ أَقْبَلْ قَوْلَهُمْ وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَا أَجِدُ فِي بَصَرِي ظُلْمَةً فَأُبْصِرُ بِهِ دُونَ مَا كُنْت أُبْصِرُ أَوْ أَجِدُ فِيهِ ثِقَلاً وَأَلَمًا. ثُمَّ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ فَقَالَ ذَهَبَ وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ الْوَجَعُ أَوْ مَا كُنْت أَجِدُ فِيهِ حَتَّى ذَهَبَ أَحَلَفْته لَقَدْ ذَهَبَ مِنْ الْجِنَايَةِ وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَجَعَلْت لَهُ الْقِصَاصَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعَقْلَ وَلَمْ أَقْبَلْ قَوْلَ الْجَانِي إذَا عَلِمْت الْجِنَايَةَ كَمَا أَصْنَعُ فِيهِ إذَا جَرَحَهُ فَلَمْ يَزَلْ ضَمِنًا حَتَّى مَاتَ. وَلَوْ قَالَ قَدْ ذَهَبَ جَمِيعُ مَا كُنْت أَجِدُ فِيهِ وَصَحَّ, ثُمَّ ذَهَبَ بَعْدُ بَصَرُهُ جَعَلْته ذَاهِبًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لاَ شَيْءَ فِيهِ وَسَوَاءٌ عَيْنُ الْأَعْوَرِ وَعَيْنُ الصَّحِيحِ فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ لاَ يَخْتَلِفَانِ: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ ضَعِيفَ الْبَصَرِ غَيْرَ ذَاهِبِهِ فَفِيهِ كَعَيْنِ الصَّحِيحِ الْبَصَرِ فِي الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ كَمَا يَكُونُ ضَعِيفَ الْيَدِ فَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِ الْقَوِيِّ. وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ وَكَانَ عَلَى النَّاظِرِ وَكَانَ بَصَرُهُ بِهَا أَقَلَّ مِنْ بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ نِصْفُ الْبَصَرِ أَوْ ثُلُثُهُ قُضِيَ لَهُ بِأَرْشٍ مَا عَلِمَ أَنَّهُ بَصَرُهُ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقَدْ مِنْ صَحِيحِ الْبَصَرِ وَكَانَ ذَلِكَ كَالْقَطْعِ وَالشَّلَلِ فِي بَعْضِ الْأَصَابِعِ دُونَ بَعْضٍ, وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا نَقْصَ الْبَصَرِ مِنْ نَفْسِ الْخِلْقَةِ أَوْ الْعَارِضِ وَلاَ عِلَّتَهُ دُونَ الْبَصَرِ وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ عَلَى غَيْرِ النَّاظِرِ فَهِيَ كَعَيْنِ الصَّحِيحِ, وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ فِيهَا لاَ يُنْقِصُ بَصَرَهَا بِتَغْطِيَةٍ لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ, وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ عَلَى النَّاظِرِ وَكَانَ رَقِيقًا يُبْصِرُ مِنْ تَحْتِهِ بَصَرًا دُونَ بَصَرِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْبَيَاضُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ قَدْرَ بَصَرِهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا الْبَيَاضُ وَبَصَرُهُ بِالْعَيْنِ الَّتِي لاَ بَيَاضَ فِيهَا فَيُجْعَلُ لَهُ قَدْرُهُ كَأَنْ كَانَ يُبْصِرُ مِنْ تَحْتِ الْبَيَاضِ نِصْفَ بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ فَأُطْفِئَتْ عَيْنُهُ فَفِيهَا نِصْفُ عَقْلِ الْبَصَرِ وَلاَ قَوَدَ بِحَالٍ عَمْدًا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا أَوْ خَطَأً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ فَقَبِلْت قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ أَنَّ بَصَرَهَا نَقَصَ وَلَمْ يُحِدُّوا نَقْصَهُ وَلاَ أَحْسَبُهُمْ يُحِدُّونَهُ أَوْ قَبِلْت قَوْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنَّهُ نَقَصَ اخْتَبَرْته بِأَنْ أَعْصِبَ عَلَى عَيْنِهِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا, ثُمَّ أَنْصِبُ لَهُ شَخْصًا عَلَى رَبْوَةٍ أَوْ مُسْتَوًى, فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُهُ فَلاَ يُثْبِتهُ, ثُمَّ أَعْصِبُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ وَأُطْلِقُ عَيْنَهُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهَا فَأَنْصِبُ لَهُ شَخْصًا فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُهَا, ثُمَّ أَذْرَعُ مُنْتَهَى بَصَرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا وَالْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ, فَإِنْ كَانَ يُبْصِرُ بِهَا نِصْفَ بَصَرِ عَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ جَعَلْت لَهُ نِصْفَ أَرْشِ الْعَيْنِ وَلاَ قَوَدَ; لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَوَدٍ مِنْ نِصْفِ بَصَرٍ, وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ: إنَّ الْبَصَرَ كُلَّمَا أَبْعَدْته كَانَ أَكَلَّ لَهُ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ بِالذَّرْعِ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْ الْبَصَرِ مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ قَبِلْتُ مِنْهُمْ, وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ أَوْ اخْتَلَفُوا جَعَلْته بِالذَّرْعِ; لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَزِدْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ عَلَى حِصَّةِ مَا نَقَصَ بَصَرُهُ بِالذَّرْعِ, وَإِنْ قَالَ الْجَانِي أَحْلِفْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مَا يَثْبُتُ الشَّخْصُ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يُثْبِتُهُ أَحَلَفْته لَهُ وَلَمْ أَقْضِ لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ, وَإِنَّمَا قُلْت لاَ أَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ حَدِّ نَقْصِ الْبَصَرِ أَوْ لاَ أَنِّي سَمِعْت بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الصِّدْقِ وَالْبَصَرِ يَقُولُ: لاَ يُحَدُّ أَبَدًا نَقْصُ الْعَيْنِ إذَا بَقِيَ فِيهَا مِنْ الْبَصَرِ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ نَصْبِ الشَّخْصِ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى بَصَرِ الرَّجُلِ عَمْدًا فَنَقَصَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلاَ قَوَدَ لَهُ; لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْقِصَ مِنْ بَصَرِ الْجَانِي بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلاَ يُجَاوِزُهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي عَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَيَاضٌ فَأَذْهَبَهَا الْجَانِي فَلاَ قِصَاصَ, وَلاَ قِصَاصَ فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ, فَإِذَا ذَهَبَ كُلُّهُ فَإِنْ كَانَ بَخَقَ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بُخِقَتْ عَيْنُهُ وَإِذَا كَانَ قَلَعَهَا قُلِعَتْ عَيْنُهُ وَإِنْ كَانَ ضَرَبَهَا حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهَا أَوْ أَشْخَصَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَلَمْ يُنْدِرْهَا مِنْ مَوْضِعِهَا قِيلَ: لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لاَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَصْنَعَ بِعَيْنِهِ هَذَا, فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ: إنَّ الْبَصَرَ كُلَّمَا أَبْعَدَ كَانَ أَكَّلَ لَهُ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ بِالذَّرْعِ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْ الْبَصَرِ مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ قَبِلْت مِنْهُمْ, وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ وَاخْتَلَفُوا جَعَلْته بِالذَّرْعِ; لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَزِدْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ عَلَى حِصَّةِ مَا نَقَصَ بَصَرُهُ بِالذَّرْعِ, وَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهَا كُلُّهُ وَأَشْخَصَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا قِيلَ: لَهُ إنْ شِئْت أَذْهَبْنَا لَكَ بَصَرَهُ وَلاَ شَيْءَ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ, وَإِنْ شِئْت فَالْعَقْلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ضَرَبَهَا فَأَنْدَرَهَا وَلَمْ تُثْبِتْ أَنَدَرَتْ عَيْنُهُ بِهَا وَإِنْ قَالَ ضَرَبَهَا فَأَنْدَرَهَا فَرُدَّتْ وَذَهَبَ بَصَرُهَا أَنَدَرَتْ عَيْنُهُ, وَقِيلَ لَهُ إنْ شِئْت فَرُدَّهَا وَإِنْ شِئْت فَدَعْ وَلَمْ تُعْطَ عَقْلاً بِمَا صَنَعَ بِكَ إذَا أَقَدْت فَإِنْ كَانَتْ لاَ تَعُودُ, ثُمَّ ثَبَتَتْ فَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا وَقَدْ بَقِيَ لَهَا عِرْقٌ فَرُدَّتْ فَثَبَتَتْ لَمْ تُنْدَرُ عَيْنُهُ بِهَا; لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَنْدُرَ ثُمَّ تَعُودُ وَيَبْقَى لَهَا عِرْقٌ, وَقِيلَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ: إنْ شِئْت أَذْهَبْنَا لَكَ بَصَرَهُ وَإِنْ شِئْت فَالْعَقْلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَأَدْمَاهَا وَلَمْ يَذْهَبْ بَصَرُهَا فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ أَرْشَ مَعْلُومٌ وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَيُعَاقَبُ الضَّارِبُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى بَصَرِ الرَّجُلِ فَقَالَ جَنَيْت عَلَيْهِ وَبَصَرُهُ ذَاهِبٌ فَعَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ وَيَسَعُ الْبَيِّنَةَ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ إذَا رَأَوْهُ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْبَصِيرِ وَيَتَّقِي مَا يَتَّقِي وَهَكَذَا إذَا جَنَى عَلَى بَصَرِ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ فَقَالَ جَنَيْت عَلَيْهِ وَهُوَ لاَ يُبْصِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِمَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمَا كَانَا يُبْصِرَانِ قَبْلَ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِمَا وَيَسَعُ الْبَيِّنَةَ الشَّهَادَةُ إنْ كَانَا يَرَيَانِهِمَا يَتَّقِيَانِ بِهِ اتِّقَاءَ الْبَصِيرِ وَيَتَصَرَّفَانِ تَصْرِفَهُ, وَهَكَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي فِيمَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ جَنَيْت عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَأَنْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَقَالَ ضَرَبْتهَا وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ قَبْلَ ضَرْبَتِهَا, فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَقْطُوعَةِ أُذُنُهُ بِأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ أُذُنٌ صَحِيحَةٌ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَقَالَ قَطَعْته وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ جَاءَ قَوْمًا فِي بَيْتٍ فَهَدَمَهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ هَدَمْته وَهُمْ مَوْتَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِمْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْحَيَاةَ كَانَتْ فِيهِمْ قَبْلَ الْجِنَايَةِ, فَإِذَا أَقَامُوهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْجَانِي حَتَّى تَثْبُتَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ لَهُمْ مَوْتٌ قَبْلَ الْجِنَايَةِ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الَّذِينَ هُدِمَ عَلَيْهِمْ الْبَيْتُ عَلَى الْحَيَاةِ الَّتِي قَدْ عَرَفْت مِنْهُمْ حَتَّى يُقِيمَ الَّذِي هَدَمَ عَلَيْهِمْ الْبَيْتَ أَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَهْدِمَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ وَلاَ الْمُنْبَسِطَةِ غَيْرِ الشَّلَّاءِ إذَا كَانَتْ لاَ تَنْقَبِضُ وَلاَ تَنْبَسِطُ أَوْ كَانَ انْبِسَاطُهَا بِلاَ انْقِبَاضٍ أَوْ انْقِبَاضُهَا بِغَيْرِ انْبِسَاطٍ عَقْلٌ مَعْلُومٌ, وَإِنَّمَا يَتِمُّ عَقْلُهَا إذَا جَنَى عَلَيْهَا صَحِيحَةً تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فَأَمَّا إذَا بَلَغَتْ هَذَا فَكَانَتْ لاَ تَنْقَبِضُ وَلاَ تَنْبَسِطُ فَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَةٌ, فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُوا فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَلاَ يَكُونُ فِيهَا عَقْلٌ مَعْلُومٌ وَأَنَا أَحْفَظُ عَنْ عَدَدٍ مِنْهُمْ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ هَذَا وَبِهِ أَقُولُ وَيَكُونُ فِيهَا حُكُومَةٌ, وَكُلُّ مَا قُلْت فِيهِ حُكُومَةٌ فَأَحْسَبُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُبَانَ حُكُومَةٌ إلَّا بِأَنْ يُقَالَ اُنْظُرُوا كَأَنَّهَا جَارِيَةٌ فُقِئَتْ عَيْنٌ لَهَا قَائِمَةٌ كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهَا وَعَيْنُهَا قَائِمَةٌ بِبَيَاضٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا قِيمَتُهَا وَعَيْنُهَا قَائِمَةٌ هَكَذَا خَمْسُونَ دِينَارًا, قِيلَ فَكَمْ قِيمَتُهَا الْآنَ حِينَ بُخِقَتْ عَيْنُهَا فَصَارَتْ إلَى هَذَا وَبَرَأَتْ؟ فَإِنْ قَالُوا أَرْبَعُونَ دِينَارًا جَعَلْت فِي عَيْنِ الرَّجُلِ الْقَائِمَةِ خُمْسَ دِيَتِهِ, وَإِنْ قَالُوا خَمْسَةً وَثَلاَثُونَ دِينَارًا جَعَلْت فِي عَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خُمْسًا وَنِصْفَ خُمْسٍ وَهُوَ خُمْسٌ وَعُشْرُ دِيَتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ مَا سِوَى هَذَا فَإِنْ قَالُوا بَلْ نَقَصَهَا هَذَا الْبَخْقُ نِصْفَ قِيمَتِهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَائِمَةَ الْعَيْنِ فَلاَ أَحْسَبُ هَذَا إلَّا خَطَأً وَلاَ أَحْسَبُهُمْ يَقُولُونَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَنْقُصُ مِنْ النِّصْفِ شَيْءٌ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَعَلَ فِي الْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ كَالْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ, وَقَدْ قَضَى زَيْدٌ رحمه الله تعالى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ, وَلَعَلَّهُ قَضَى بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ قَوَدَ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ; لِأَنَّهُ لاَ يُوَصِّلُ إلَى الْقَوَدِ فِيهِ فَإِذَا ذَهَبَ السَّمْعُ كُلُّهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَقَالَ قَدْ صَمَمْت سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالصَّمَمِ فَإِنْ قَالُوا لَهُ مُدَّةٌ إنْ بَلَغَهَا وَلَمْ يَسْمَعْ تَمَّ صَمَمُهُ لَمْ أَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَبْلُغَ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَإِنْ قَالُوا مَالَهُ غَايَةٌ تُغُفِّلَ وَصِيحَ بِهِ فَإِنْ أَجَابَ فِي بَعْضِ مَا تُغُفِّلَ بِهِ جَوَابَ مَنْ يَسْمَعُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَأُحْلِفَ الْجَانِي مَا ذَهَبَ سَمْعُهُ فَإِنْ لَمْ يُجِبْ عِنْدَ مَا غُفِّلَ بِهِ أَوْ عِنْدَ وُقُوعِ جَوَابِ مَنْ يَسْمَعُ أُحْلِفَ لَقَدْ ذَهَبَ سَمْعُهُ فَإِذَا حَلَفَ فَلَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَإِنْ أَحَطْنَا أَنَّ سَمْعَ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ يَذْهَبُ وَيَبْقَى سَمْعُ الْأُذُنِ الْأُخْرَى فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ; لِأَنَّهُ نِصْفُ السَّمْعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ نَقَصَ سَمْعُهُ كُلُّهُ فَكَانَ يُحَدُّ نَقْصُهُ بِحَدٍّ مِثْلُ أَنْ يَعْرِفَ آخَرَ حَدٍّ يُدْعَى مِنْهُ فَيُجِيبُ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يُحَدُّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَلاَ أَحْسَبُهُ يُحَدُّ بِحَالٍ وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لاَ يَسْمَعُ بِإِحْدَى أُذُنَيْهِ وَكَانَتْ الْأُذُنُ الصَّحِيحَةُ إذَا سُدَّتْ بِشَيْءٍ عُرِفَ ذَهَابُ سَمْعِ الْأُذُنِ الْأُخْرَى أَمْ لاَ سُدَّتْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ قُبِلَ قَوْلِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّ سَمْعَهُ ذَهَبَ مَعَ يَمِينِهِ وَقُضِيَ لَهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَالْأُذُنَانِ غَيْرُ السَّمْعِ فَإِذَا قُطِعَتَا فَفِيهِمَا الْقَوَدُ وَفِي السَّمْعِ إذَا ذَهَبَ الدِّيَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا عَمَدَ الرَّجُلُ الرَّجُلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ مُصْطَفَّيْنِ قَائِمَيْنِ أَوْ قَاعِدَيْنِ أَوْ مُضْطَجِعَيْنِ بِضَرْبَةٍ تَعَمَّدَهُمَا بِهَا بِسَيْفٍ أَوْ بِمَا يَعْمَلُ بِهِ عَمَلَهُ فَقَتَلَهُمَا فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوَدُ, وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَعْمِدْ إلَّا أَحَدَهُمَا فَسَبَقَ السَّيْفُ إلَى الْآخَرِ لَمْ يُصَدَّقْ; لِأَنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِمَا وُقُوعًا وَاحِدًا, وَلَوْ عَمَدَ أَنْ يَطْعَنَهُمَا بِرُمْحٍ وَالرُّمْحُ لاَ يَصِلُ إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفٍ, وَأَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فَقَالَ عَمَدْتهمَا مَعًا وَقَتَلْتُهُمَا مَعًا كَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوَدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ حِينَ رَمَى أَوْ طَعَنَ أَوْ ضَرَبَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ يَصِلُ مَا صَنَعَ بِأَحَدِهِمَا إلَى الَّذِي مَعَهُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْأَوَّلِ عَمَدْت الْأَوَّلَ الَّذِي طَعَنْته أَوْ رَمَيْته أَوْ ضَرَبَتْهُ وَلَمْ أَعْمِدْ الْآخَرَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْأَوَّلِ وَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ فِي الْآخَرِ; لِأَنَّ صِدْقَهُ بِمَا ادَّعَى يُمْكِنُ عَلَيْهِ, وَلَوْ قَالَ عَمَدْت الَّذِي نَفَذَتْ إلَيْهِ الرَّمْيَةُ أَوْ الطَّعْنَةُ آخِرًا وَلَمْ أَعْمَدْ الْأَوَّلَ وَهُوَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَمَاهُ أَوْ طَعَنَهُ أَوْ ضَرَبَهُ وَهُوَ يَرَاهُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِيهِمَا فِي الْأَوَّلِ بِالْعَمْدِ وَأَنَّهُ ادَّعَى مَا لاَ يَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْآخَرِ بِقَوْلِهِ عَمَدْته قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَيْهِ الْبَيْضَةُ وَالدِّرْعُ فَقَتَلَهُ بَعْدَ قَطْعِ جُنَّتِهِ أُقِيدَ مِنْهُ, وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ إلَّا الْبَيْضَةَ وَالدِّرْعَ لَمْ يَصْدُقْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ سِلاَحٌ فَهُوَ كَبَدَنِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ رَجُلاً وَالْمَقْتُولُ صَحِيحٌ وَالْقَاتِلُ مَرِيضٌ أَوْ أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أُعْمِي أَوْ بِهِ ضَرْبٌ مِنْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ فَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ هَذَا نَاقِصٌ عَنْ صَاحِبِنَا قِيلَ إذَا كَانَ حَيًّا فَأَرَدْتُمْ الْقِصَاصَ فَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالْجَوَارِحُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ لاَ نُبَالِي بِجَذْمِهَا وَسَلاَمَتِهَا كَمَا لَوْ قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَهُوَ سَالِمٌ وَصَاحِبُكُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا أَقَدْنَاكُمْ; لِأَنَّهُ نَفْسٌ بِنَفْسٍ وَلاَ يُنْظَرُ فِيهَا إلَى أَطْرَافٍ ذَاهِبَةٍ وَلاَ قَائِمَةٍ فَإِنْ قَالَ وُلاَةُ الدَّمِ قَدْ قَطَعَ هَذَا يَدَيْ صَاحِبِنَا وَرِجْلَيْهِ, ثُمَّ قَتَلَهُ وَلاَ يَدَ وَلاَ رِجْلَ لَهُ فَأَعْطِنَا عِوَضًا مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذْ لَمْ يَكُونَا قِيلَ: إنَّكُمْ إذَا قَتَلْتُمْ فَقَدْ أَتَيْتُمْ عَلَى إفَاتَتِهِ كُلِّهِ وَهَذِهِ الْأَطْرَافُ تَبَعٌ لِنَفْسِهِ وَلاَ عِوَضَ لَكُمْ مِمَّا فَاتَ مِنْ أَطْرَافِهِ كَمَا لاَ نَقْصَ عَلَيْكُمْ لَوْ كَانَ صَاحِبُكُمْ الْمَقْطُوعَ, وَالْقَاتِلُ صَحِيحًا قُتِلَ بِهِ وَقَتْلُهُ إتْلاَفٌ لِجَمِيعِ أَطْرَافِهِ. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً فَعَدَا أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْقَاتِلِ فَقَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ عَمْدًا كَانَ لَهُ الْقِصَاصُ أَوْ أَخْذُ الْمَالِ إنْ شَاءَ وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ فَلاَ سَبِيلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْمَالِ فِي حَالِهِ تِلْكَ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الدِّيَةِ, وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ خَطَأً لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ سَبِيلٌ عَلَى الْمَالِ وَقِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَاقْتُلْ وَإِنْ شِئْت فَاخْتَرْ أَخْذَ الدِّيَةِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الدِّيَةِ أَخَذَهَا مِنْ أَيِّ مَالِهِ وَجَدَ دِيَاتٍ أَوْ غَيْرَهَا, وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ رَجُلاً, ثُمَّ عَدَا أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْقَاتِلِ فَجَرَحَهُ جِرَاحَةً مَا كَانَتْ خُيِّرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ بَيْنَ قَتْلِهِ بِحَالِهِ تِلْكَ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا يَمُوتُ أَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ فَإِنْ اخْتَارَ قَتْلَهُ فَلَهُ قَتْلُهُ وَلاَ يُمْنَعُ مِنْ الْقَتْلِ بِالْمَرَضِ وَلاَ الْعِلَّةِ مَا كَانَتْ; لِأَنَّ الْقَتْلَ وَحِيٌّ وَيَمْنَعُ مِنْ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودُ غَيْرُ الْقَتْلِ بِالْمَرَضِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَتْلٌ بِالْمَرَضِ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْهُ وَإِذَا قَتَلَهُ مَرِيضًا فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ مَا فِيهِ الْقَوَدُ مِنْ الْجِرَاحِ إنْ شَاءُوا الْقَوَدَ وَإِنْ شَاءُوا الْعَقْلَ وَإِنْ اخْتَارَ وَلِيُّ الدَّمِ قَتْلَهُ فَلَمْ يَقْتُلْهُ حَتَّى مَاتَ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي أَصَابَهُ بِهَا الْأَجْنَبِيُّ فَلِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ الدِّيَةُ فِي مَالِ الَّذِي قَتَلَهُ وَلِأَوْلِيَاءِ الَّذِي قَتَلَ الْقَتِيلَ الْأَوَّلَ وَقَتَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ آخِرًا عَلَى قَاتِلِهِ الْقِصَاصُ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ فَإِنْ اقْتَصُّوا مِنْهُ فَدِيَةُ الْأَوَّلِ فِي مَالِ قَاتِلِهِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقَاتِلِهِ الْمَقْتُولِ مَالٌ فَسَأَلَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ وَرَثَةَ الْمَقْتُولِ الْآخِرِ الَّذِي قَتَلَ صَاحِبَهُمْ أَخْذَ دِيَتِهِ لِيَأْخُذُوهَا لِصَاحِبِهِمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ; لِأَنَّ قَاتِلَهُ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَلاَ يَبْطُلُ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ مِنْهُ بِأَنْ يُفْلِسَ لِأَهْلِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بِدِيَةِ قَتِيلِهِمْ. وَهَذَا هَكَذَا فِي الْجِرَاحِ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يُمْنَى رَجُلٍ فَقَطَعَ آخَرُ يُمْنَى الْقَاطِعِ وَلاَ مَالَ لِلْقَاطِعِ الْمَقْطُوعَةِ يُمْنَاهُ فَقَالَ الْمَقْطُوعَةُ يُمْنَاهُ الْأَوَّلُ قَدْ كَانَتْ يَمِينُ هَذَا لِي أَقْتَصُّ مِنْهَا وَلاَ مَالَ لَهُ آخُذُهُ بِيَمِينِي وَلَهُ إنْ شَاءَ مَالٌ عَلَى قَاطِعِهِ فَاقْضُوا لَهُ بِهِ عَلَى قَاطِعِهِ لِآخُذَهُ مِنْهُ وَلاَ تَقْتَصُّوا لَهُ بِهِ فَيَبْطُلَ حَقِّي مِنْ الدِّيَةِ وَهُوَ لاَ قِصَاصَ فِيهِ وَلاَ مَالَ لَهُ قِيلَ: إنَّمَا جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَحَدَهُمَا لَمْ نُجْبِرْهُ عَلَى مَا أَرَدْت مِنْ الْمَالِ وَأَبِيعُهُ يَدَيْهِ بَدَلَ فَمَتَى مَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَخُذْهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَقٌّ أَفْلَسَ لَكَ بِهِ, وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْت الْقِصَاصَ وَالْمَالَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ وَلاَ الْقِصَاصِ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ إنْ شَاءَ لاَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ الْأُولَى أَنَّهُ قَدْ وَقَفَ لَهُ مَالَ الْقَاطِعِ الْمَقْطُوعِ آخِرًا فَإِذَا أُشْهِدَ بِذَلِكَ فَلِلْمَقْطُوعِ آخِرًا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَتَرَكَ الْمَالَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ دِيَةَ يَدِ الَّذِي قُطِعَ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ دِيَةُ يَدِهِ وَجَازَ عَفْوُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ الْمَالَ, وَمَالُهُ مَوْقُوفٌ لِغُرَمَائِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: مَنْ جَنَى عَلَى رَجُلٍ يَسُوقُ يَرَى مَنْ حَضَرَهُ أَنَّهُ فِي السِّيَاقِ وَأَنَّهُ يُقْبَضُ مَكَانُهُ فَضَرَبَهُ بِحَدِيدَةٍ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَقَتَلَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ بَعْدَمَا يُرَى أَنَّهُ يَمُوتُ وَإِذَا رَأَى مَنْ حَضَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَشَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ, ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ عُوقِبَ وَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ رَجُلٌ قَدْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ يُرَى أَنَّهُ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهَا أَوْ لاَ يُرَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ مُجْهِزَةً عَلَيْهِ فَذَبَحَهُ مَكَانَهُ أَوْ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ أَوْ شَدَخَ رَأْسَهُ مَكَانَهُ أَوْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ بِسِكِّينٍ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَهُوَ قَاتِلٌ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَعَقْلُ النَّفْسِ تَامًّا إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَعَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَبْلَهُ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ أَوْ الْأَرْشُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ فَإِنَّ مَنْ قُطِعَ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ لَمْ يَعِشْ, وَإِنْ رَأَى أَنَّ فِيهِ بَقِيَّةَ رُوحٍ فَهُوَ كَمَا يَبْقَى مِنْ بَقَايَا الرُّوحِ فِي الذَّبِيحَةِ, وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ عُنُقَهُ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ, وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِجِلْدَةٍ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ جَوْفِهِ فَقَطَعَهَا عُوقِبَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَالْقَاتِلُ الَّذِي نَالَهُ بِالْجِرَاحِ قَبْلَهُ لاَ يَمْنَعُهُ مَا صَنَعَ هَذَا بِهِ مِنْ الْقَوَدِ إنْ كَانَ قَوَدًا أَوْ الْعَقْلِ وَإِذَا أَتَى عَلَيْهِ قَدْ قُطِعَ حُلْقُومُهُ دُونَ مَرِيئِهِ أَوْ مَرِيئُهُ دُونَ حُلْقُومِهِ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَعِيشُ مِثْلُ هَذَا بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِ دَوَاءٍ نِصْفَ يَوْمٍ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا قَاتِلٌ وَبُرِّئَ الْأَوَّلُ الْجَارِحُ مِنْ الْقَتْلِ, وَإِنْ قَالُوا لَيْسَ يَعِيشُ مِثْلُ هَذَا إنَّمَا فِيهِ بَقِيَّةُ رُوحٍ إلَّا سَاعَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ حَتَّى يَطْغَى فَالْقَاتِلُ الْأَوَّلُ وَهَذَا بَرِيءٌ مِنْ الْقَتْلِ, وَهَكَذَا إذَا أَجَافَهُ فَخَرَقَ أَمْعَاءَهُ; لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ بَعْدَ خَرْقِ الْمِعَى مَا لَمْ يَقْطَعْ الْمِعَى فَيُخْرِجُهُ مِنْ جَوْفِهِ قَدْ خُرِقَ مِعَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْ مَوْضِعَيْنِ وَعَاشَ ثَلاَثًا, وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَانَ قَاتِلاً وَبُرِّئَ الَّذِي جَرَحَهُ مِنْ الْقَتْلِ فِي الْحُكْمِ وَمَتَى جَعَلْت الْآخَرَ قَاتِلاً فَالْجَارِحُ الْأَوَّلُ بَرِيءٌ مِنْ الْقَتْلِ وَعَلَيْهِ الْجِرَاحُ خَطَأً كَانَتْ أَوْ عَمْدًا فَالْخَطَأُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْعَمْدُ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا أَنْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ إنْ كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَتَى جَعَلْت الْأَوَّلَ الْقَاتِلَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْآخَرِ إلَّا الْعُقُوبَةُ وَالنَّفْسُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا عَمْدُ الْآخَرِ وَخَطَؤُهُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَجَعَلْته قَاتِلاً فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَعَلْته قَاتِلاً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ, وَإِذَا جَرَحَ رَجُلاَنِ رَجُلاً جِرَاحَةً لَمْ يُعَدَّ بِهَا فِي الْقَتْلَى كَمَا وَصَفْت مِنْ الذَّبْحِ وَقَطْعِ الْحَشْوَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ بِإِجْهَازٍ عَلَيْهِ فَمَاتَ مِنْهَا مَكَانَهُ قَبْلَ يَرْفَعَهَا فَهُوَ قَاتِلُهُ دُونَ الْجَارِحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ هَذَا مُدَّةً قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهُوَ شَرِيكٌ فِي قَتْلِهِ لِلَّذِينَ جَرَحَاهُ أَوَّلاً وَلاَ يَكُونُ مُنْفَرِدًا بِالْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا نَالَهُ بِهِ إجْهَازًا عَلَيْهِ بِذَبْحٍ أَوْ قَطْعِ حَشْوَةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ بِضَرْبَةٍ يَمُوتُ مِنْهَا مَكَانَهُ وَلاَ يَعِيشُ طَرْفُهُ بَعْدَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا جُرْح رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا, ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ بَعْدَهَا فَمَاتَ فَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ مَاتَ مَكَانَهُ مِنْ جِرَاحِ الْآخَرِ دُونَ جِرَاحِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى وُلاَةُ الدَّمِ الْأَوَّلِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِهَا فَهُوَ شَرِيكٌ فِي النَّفْسِ لَهُمْ قَتْلُهُ بِالشِّرْكِ فِيهَا, وَلَيْسَ لَهُمْ قَتْلُ اللَّذَيْنِ جَرَحَاهُ قَبْلُ بإبرائهموه أَنْ يَكُونَ مَاتَ إلَّا مِنْ جِنَايَةِ الْآخَرِ مَكَانَهُ دُونَ جِنَايَتِهِمْ وَلَهُمْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْجِرَاحِ أَوْ أَرْشُهَا إنْ شَاءُوهُ وَإِذَا صَدَّقَهُمْ الضَّارِبُونَ الْأَوَّلُونَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ الْآخَرِ دُونَ جِنَايَتِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَيْ الرَّجُلِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ بَلَغَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا, ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ بَلَغَ مِنْهُ مَا وَصَفْت أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ فَذَبَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَرَادَ وُلاَتُهُ الدِّيَةَ فَإِنَّمَا لَهُمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ; لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ نَفْسًا كَانَتْ الْجِرَاحُ كُلُّهَا تَبَعًا لَهَا وَإِنْ أَرَادُوا الْقَوَدَ فَلَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كَانَ عَمْدًا كَمَا وَصَفْت, وَفِعْلُ الْجَارِحِ إذَا كَانَ وَاحِدًا فِي هَذَا مُخَالِفٌ لِفِعْلِهِ لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ, وَلَوْ كَانَ اللَّذَانِ جَرَحَاهُ الْجِرَاحَ الْأُولَى اثْنَيْنِ, ثُمَّ أَتَى أَحَدُهُمَا فَقَتَلَهُ كَانَ الْآخَرُ قَاتِلاً عَلَيْهِ الْقَتْلُ أَوْ الْعَقْلُ تَامًّا وَكَانَ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ أَرْشِ الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ وَرَثَتُهُ إنْ كَانَا جَرَحَاهُ جَمِيعًا, وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِجِرَاحٍ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي جِرَاحِهِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا أَوْ أَرْشُهَا تَامًّا; لِأَنَّ النَّفْسَ صَارَتْ مُتْلَفَةً بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ جِرَاحُهُ كَامِلَةً بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ جَرَحَهُ رَجُلاَنِ, ثُمَّ ذَبَحَهُ ثَالِثٌ فَالثَّالِثُ الْقَاتِلُ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ مَا فِي الْجِرَاحِ مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ فَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً فَبَرِئَتْ وَقَتَلَهُ بَعْدَ بُرْئِهَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ مَا عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ جَمِيعِ الْعَقْلِ أَوْ الْقِصَاصِ وَفِي الْجِرَاحِ مَا عَلَى الْجَارِحِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ قِصَاصٍ إذَا بَرَأَتْ الْجِرَاحُ فَهِيَ جِنَايَةٌ غَيْرُ جِنَايَةِ الْقَتْلِ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَبَرَأَ ثُمَّ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَأَرْشُ الْيَدَيْنِ وَإِنْ شَاءُوا الْقِصَاصَ فِي الْيَدَيْنِ, ثُمَّ دِيَةُ النَّفْسِ وَإِنْ شَاءُوا الْقِصَاصَ فِي الْيَدَيْنِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَدَانِ لَمْ تَبْرَآ حَتَّى قَتَلَهُ كَانَتْ دِيَةً وَاحِدَةً إنْ أَرَادُوا الدِّيَةَ أَوْ قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ وَالْيَدَيْنِ يَقْطَعُونَ الْيَدَيْنِ, ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ وَإِنْ قَتَلُوهُ وَلَمْ يَقْطَعُوا يَدَيْهِ فَلاَ شَيْءَ لَهُمْ فِي الْيَدَيْنِ إذَا لَمْ تَبْرَأْ الْجِرَاحُ فَالْجِرَاحُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ تَبْطُلُ إذَا قَتَلَ الْوَرَثَةُ الْقَاتِلَ وَإِذَا أَخَذُوا دِيَةَ النَّفْسِ تَامَّةً وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا يَدَيْهِ وَيَأْخُذُوا دِيَةَ النَّفْسِ إنَّمَا لَهُمْ قَطْعُ يَدَيْهِ إذَا كَانُوا يُمِيتُونَهُ مَكَانَهُمْ بِالْقَتْلِ قِصَاصًا وَلَوْ قَالَ الْجَانِي: قَطَعْت يَدَيْهِ فَلَمْ تَبْرَأْ حَتَّى قَتَلْته وَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ: بَلْ بَرَأَتْ يَدَاهُ, ثُمَّ قَتَلَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَاتِلِ; لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ حِينَئِذٍ دِيَتَانِ إنْ شَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٌ تَقُومُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ يَدَيْهِ قَدْ بَرَأَتَا لَمْ يُقْبَلْ هَذَا مِنْهُ حَتَّى يَصِفُوا الْبُرْءَ فَإِذَا أَثْبَتُوهُ بِمَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ بُرْءٌ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ سَكَبَتْ مُدَّتُهُمَا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبُرْءِ فَقَالَ الْجَانِي قَدْ انْتَقَضَتَا بَعْدَ الْبُرْءِ وَأَكْذَبَهُ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَعَلَى الْجَانِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمَا انْتَقَضَتَا مِنْ جِنَايَتِهِ; لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ شَهِدَ لَهُمْ بِالْبُرْءِ فَلاَ يُدْفَعُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا فَعَدَا عَلَيْهِ غَيْرُ وَارِثِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلَهُ قِيلَ: يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يُقِرُّ وَبَعْدَمَا أَقَرَّ أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَقِيلَ: يُدْفَعُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ بَعْدَ مَا دُفِعَ إلَيْهِمْ لِيَقْتُلُوهُ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْأَجْنَبِيِّ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ أَخْذَ الدِّيَةِ أَوْ الْعَفْوَ وَلَوْ ادَّعَى الْجَهَالَةَ وَقَالَ كُنْت أَرَى دَمَهُ مُبَاحًا لَمْ يُدْرَأْ بِهَا عَنْهُ الْقَوَدُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ الَّذِي لَهُ الْقِصَاصُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَلاَ أَدَبٌ; لِأَنَّهُ مُعِينٌ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الَّذِي لَهُ الْقِصَاصُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ أُحْلِفَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مَا أَمَرَهُ فَإِنْ حَلَفَ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الدِّيَةُ فِي مَالِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ لَقَدْ أَمَرَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلاَ حَقَّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ وَلاَ مَالِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَأَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْآخَرُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَكَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلِ أَنْ يَأْخُذُوا نِصْفَ دِيَتِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَلِلْوَارِثِ أَخْذُهَا مِنْ مَالِ الْمَقْتُولِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَهَا, وَلاَ تَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ لاَ يَقْتُلَ إلَّا بِأَمْرِهِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَاحِدٌ فَقُضِيَ لَهُ بِالْقِصَاصِ فَقَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلِ عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ الدِّيَةُ فِي مَالِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ دُونَ قَاتِلِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا أَقَرَّ عِنْدَهُ رَجُلٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِلاَ قَطْعِ طَرِيقٍ عَلَيْهِ فَعَجَّلَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لِلْإِمَامِ قَتْلَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ لِوَلِيِّهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِسْرَافُ فِي الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ وَدَفَعَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَقَالُوا: نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ تَرْكُهُ مِنْ الْقَوَدِ وَأَيُّهُمْ شَاءَ تَرَكَهُ فَلاَ يَكُونُ إلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ وَالْإِمَامُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ أَحَدَ وُلاَةِ الْمَيِّتِ يَقْتُلُهُ; لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ حَقًّا فِي دَمِهِ وَلاَ حَقَّ لِلْإِمَامِ وَلاَ غَيْرِهِ فِي دَمِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ الرَّجُلَ يَقْضِي عَلَيْهِ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ فِي الزِّنَا فَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ هَذَا لاَ شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ; لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَقْنُ دَمِ هَذَا أَبَدًا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِكَلاَمٍ إنْ كَانَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ يَرْجِعَ الشُّهُودُ عَنْ الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ, وَكَذَلِكَ يُخَالِفُ الْمُرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ يَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ; لِأَنَّ دَمَ هَؤُلاَءِ مُبَاحٌ لِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ حَقَّ لِآدَمِيٍّ فِيهِ يُحَدُّ عَلَيْهِمْ كَحَقِّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ مِنْ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ وَلاَ سَبِيلَ إلَى الْعَفْوِ عَنْهُ كَسَبِيلِ وُلاَةِ الْقَتِيلِ إلَى الْعَفْوِ عَنْ قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً عَمْدًا فَعَدَا عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِمَّنْ لاَ يُقْتَلُ بِالْمَقْتُولِ إمَّا بِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ أَوْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ وَإِمَّا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْمَقْتُولُ كَافِرٌ فَعَلَى الْقَاتِلِ إذَا كَانَ هَكَذَا دِيَةُ الْمَقْتُولِ وَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْ قَاتِلِ قَاتِلِهِمْ فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ مِنْ دِيَةِ صَاحِبِهِمْ فَهِيَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ دِيَةِ صَاحِبِهِمْ رُدَّ عَلَى وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ أَخَذُوا مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْقَاتِلِ الْمَقْتُولِ الَّذِي أُخِذَتْ دِيَتُهُ دُيُونٌ مِنْ جِنَايَاتٍ وَغَيْرِهَا فَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ شُرَكَاؤُهُمْ فِي دِيَتِهِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسُوا بِأَحَقَّ بِدِيَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدُّيُونِ غَيْرِهِمْ; لِأَنَّ دِيَتَهُ غَيْرُ دِيَتِهِ وَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ لَيْسُوا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ السَّاعِدِ أَوْ الْمِرْفَقِ أَوْ مَا بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْمِرْفَقِ فَفِيهَا نِصْفٌ لِلدِّيَةِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكَفِّ حُكُومَةٌ يُزَادُ فِي الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ مَا يُزَادُ عَلَى الْكَفِّ وَلاَ يَبْلُغُ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ أَتَتْ عَلَى الْمَنْكِبِ دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ وَسَوَاءٌ الْيَدُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَيَدُ الْأَعْسَرِ وَيَدُ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الرِّجْلاَنِ إذَا قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ فَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ السَّاقِ أَوْ الرُّكْبَةِ أَوْ الْفَخِذِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْفَخِذَ فَفِيهَا نِصْفُ دِيَةٍ وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ كَمَا وَصَفْت فِي الْيَدَيْنِ وَيُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَوْضِعِ الْقَدَمِ لاَ تَبْلُغُ الزِّيَادَةَ, وَإِنْ جَاءَتْ عَلَى الْوَرِكِ دِيَةُ رِجْلٍ تَامَّةٍ. وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ بِالْمَنْكِبِ أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْوَرِكِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْقَطْعَيْنِ جَائِفَةٌ فَهُوَ كَمَا وَصَفْت وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِفَةٌ فَفِيهَا دِيَةُ الرِّجْلِ وَالْيَدِ وَالْحُكُومَةُ فِي الزِّيَادَةِ وَدِيَةُ جَائِفَةٍ, وَسَوَاءٌ رِجْلُ الْأَعْرَجِ إذَا كَانَتْ الْقَدَمُ سَالِمَةً فَقُطِعَتْ وَيَدُ الْأَعْسَرِ إذَا كَانَتْ الْكَفُّ سَالِمَةً وَرِجْلُ الصَّحِيحِ وَيَدُ غَيْرِ الْأَعْسَرِ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهَا الدِّيَةُ إذَا كَانَتْ أَصَابِعُهَا الْخَمْسُ سَالِمَةً فَإِنْ كَانَتْ الْكَفُّ سَالِمَةً وَرِجْلُ الصَّحِيحِ وَيَدُ غَيْرِ الْأَعْسَرِ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهَا الدِّيَةُ إذَا كَانَتْ أَصَابِعُهَا الْخَمْسُ سَالِمَةً فَإِنْ كَانَتْ أَصَابِعُهَا أَرْبَعًا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ وَحُكُومَةُ الْكَفِّ لاَ يَبْلُغُ بِهَا دِيَةُ أُصْبُعٍ. وَإِنْ كَانَتْ أَصَابِعُهَا خَمْسًا إحْدَاهَا شَلَّاءُ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ وَحُكُومَةُ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعِ الشَّلَّاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِي الْكَفِّ لَيْسَ لَهَا إلَّا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ وَإِنْ كَانَتْ أَصَابِعُهَا سِتًّا فَفِيهَا دِيَتُهَا وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِيهَا أُصْبُعَانِ زَائِدَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ يُزَادُ فِي الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْأَصَابِعِ الزَّوَائِدِ وَلاَ تَخْتَلِفُ رِجْلُ الْأَعْرَجِ وَالصَّحِيحِ إلَّا فِي أَنْ يَجْنِيَ عَلَى رِجْلَيْهِمَا فَيَزِيدُ عَرَجَ الْعَرْجَاءِ وَتَعْرَجُ الصَّحِيحَةُ فَتَكُونُ الْحُكُومَةُ فِي الصَّحِيحَةِ أَكْثَرُ فَأَمَّا إذَا قُطِعَتَا أَوْ شُلَّتَا فَلاَ تَخْتَلِفَانِ وَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ الشَّلَّاءُ فَقُطِعْت فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَالشَّلَلُ الْيُبْسُ فِي الْكَفِّ فَتَيْبَسُ الْأَصَابِعُ أَوْ فِي الْأَصَابِعِ وَإِنْ لَمْ تَيْبَسْ الْكَفُّ فَإِذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ مُنْقَبِضَةً لاَ تَنْبَسِطُ بِحَالٍ أَوْ تَنْبَسِطُ إنْ مُدَّتْ فَإِنْ أُرْسِلَتْ رَجَعَتْ إلَى الِانْقِبَاضِ بِغَيْرِ أَنْ تُقْبَضَ أَوْ مُنْبَسِطَةً لاَ تَنْقَبِضُ بِحَالٍ أَوْ لاَ تَنْقَبِضُ إلَّا أَنْ تُقْبَضَ فَإِنْ أُرْسِلَتْ رَجَعَتْ إلَى الِانْبِسَاطِ بِغَيْرِ أَنْ تَنْبَسِطَ فَهِيَ شَلَّاءُ. وَسَوَاءٌ فِي الْعَقْلِ كَانَ الشَّلَلُ مِنْ اسْتِرْخَاءِ مَفْصِلِ الْكَفِّ أَوْ الْأَصَابِعِ وَإِنْ كَانَ الشَّلَلُ مِنْ اسْتِرْخَاءِ الذِّرَاعِ أَوْ الْعَضُدِ أَوْ الْمَنْكِبِ فَفِي شَلَلِ الْكَفِّ الدِّيَةُ وَفِي اسْتِرْخَاءِ مَا فَوْقَهَا حُكُومَةٌ وَإِذَا أُصِيبَتْ الْأَصَابِعُ فَكَانَتْ عَوْجَاءَ أَوْ الْكَفُّ وَكَانَتْ عَوْجَاءَ وَأَصَابِعُهَا تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ, وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا بَعْدَمَا أُصِيبَتْ فَفِيهَا دِيَةٌ تَامَّةٌ وَهَكَذَا إنْ رُضِخَتْ الْأَصَابِعُ فَجُبِرَتْ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ غَيْرَ أَنَّ أَثَرَ الرَّضْخِ فِيهَا كَالْحَفْرِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَيُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا بَعْدُ فَأُصِيبَتْ فَفِيهَا دِيَتُهَا تَامَّةٌ وَسَوَاءٌ يَدُ الرَّجُلِ التَّامَّةُ الْبَاطِشَةُ الْقَوِيَّةُ وَيَدُ الرَّجُلِ الضَّعِيفَةُ الْقَبِيحَةُ الْمَكْرُوهَةُ الْأَطْرَافِ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ سَالِمَةً مِنْ الشَّلَلِ وَسَوَاءٌ الْكَفُّ الْمُتَعَجِّرَةُ مِنْ خِلْقَتِهَا أَوْ الْمُتَعَجِّرَةِ مِنْ مُصِيبَةٍ بِهَا وَالْأَصَابِعُ إذَا سَلِمَتْ مِنْ الْيُبْسِ لَمْ يُنْقِصْ أَرْشَهَا الشَّيْنُ. وَالْقَوْلُ فِي الرِّجْلِ كَالْقَوْلِ فِي الْيَدِ سَوَاءٌ, وَسَوَاءٌ إذَا قُطِعَتْ رِجْلُ مَنْ لاَ رِجْلَ لَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ أَوْ يَدُ مَنْ لاَ يَدَ لَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ أَوْ مَنْ لَهُ يَدَانِ فَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً خُلِقَتْ لَهُ فِي يُمْنَاهُ كَفَّانِ أَوْ يَدَانِ مُنْفَصِلَتَانِ أَوْ خُلِقَتَا فِي يُسْرَاهُ أَوْ فِي يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ مَعًا حَتَّى تَكُونَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيْدٍ نُظِرَ إلَيْهِمَا, فَإِنْ كَانَتْ الْعَضُدُ وَالذِّرَاعُ وَاحِدَةً وَالْكَفَّانِ مُفْتَرِقَتَانِ فِي مَفْصِلٍ فَقَطَعَ الَّتِي لاَ يَبْطِشُ بِهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ وَالْقِصَاصُ إنْ كَانَ قَطَعَهَا عَمْدًا وَلَوْ قُطِعَتْ الْأُخْرَى الَّتِي لاَ يَبْطِشُ بِهَا كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ وَجَعَلَتْهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ مَعَ الْأَصَابِعِ مِنْ تَمَامِ الْخِلْقَةِ. وَإِنْ كَانَ يَبْطِشُ بِهِمَا جَمِيعًا جُعِلَتْ الْيَدُ التَّامَّةُ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُهُمَا بَطْشًا إنْ كَانَ مَوْضِعُهَا مِنْ مَفْصِلِ الذِّرَاعِ, مُسْتَقِيمًا عَلَى مَفْصِلٍ أَوْ زَائِلاً عَنْهُ وَجَعَلْت الْأُخْرَى الزَّائِدَةَ إنْ كَانَ مَوْضِعُهَا مِنْ مَفْصِلِ الذِّرَاعِ مُسْتَقِيمًا عَلَيْهِ أَوْ زَائِلاً عَنْهُ وَإِنْ كَانَ بَطْشُهُمَا سَوَاءً وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَقِيمَةً عَلَى مَفْصِلِ الذِّرَاعِ جَعَلْت الْمُسْتَقِيمَةَ الْيَدَ الَّتِي لَهَا الْقَوَدُ وَتَمَامُ الْأَرْشِ وَجَعَلْت الْأُخْرَى الزَّائِدَةُ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُمَا مِنْ مَفْصِلِ الذِّرَاعِ وَاحِدًا لَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَشَدَّ اسْتِقَامَة عَلَى مَفْصِلِ الذِّرَاعِ مِنْ الْأُخْرَى وَلاَ يَبْطِشُ بِإِحْدَاهُمَا إلَّا كَبَطْشِهِ بِالْأُخْرَى فَهَاتَانِ كَفَّانِ نَاقِصَتَانِ فَأَيُّهُمَا قُطِعَتْ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلاَ يَبْلُغُ بِهَا دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ وَيُجْعَلُ فِيهَا حُكُومَةٌ يُجَاوِزُ بِهَا نِصْفَ دِيَةِ كَفٍّ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَفِيهِمَا دِيَةُ كَفٍّ وَيُجَاوِزُ فِيهَا دِيَةَ كَفٍّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ تُزَادَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِ دِيَةِ كَفٍّ وَهَكَذَا إذَا قُطِعَتْ أُصْبُعٌ مِنْ أَصَابِعِهِمَا أَوْ شُلَّتْ الْكَفُّ أَوْ أُصْبُعٌ مِنْ أَصَابِعِهَا وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ لَهُمَا ذِرَاعَانِ وَعَضُدَانِ وَأَصْلُ مَنْكِبٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِيهِمَا إذَا كَانَتْ لَهُمَا كَفَّانِ فِي ذِرَاعٍ وَاحِدَةٍ لاَ يَخْتَلِفُ إلَّا بِزِيَادَةِ الْحُكُومَةِ فِي قَطْعِ الذِّرَاعَيْنِ أَوْ الْعَضُدَيْنِ أَوْ الذِّرَاعَيْنِ مَعَ الْكَفَّيْنِ فَيُزَادُ فِي حُكُومَةِ ذَلِكَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ فِي أَلَمِهِ وَشَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ كَفَّانِ فِي ذِرَاعٍ إحْدَاهُمَا نَاقِصَةُ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى تَامَّتُهَا أَوْ إحْدَاهُمَا زَائِدَةُ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى تَامَّتُهَا أَوْ نَاقِصَتُهَا كَانَتْ الْكَفُّ مِنْهُمَا الْعَامِلَةُ دُونَ الَّتِي لاَ تَعْمَلُ فَإِنْ كَانَتَا تَعْمَلاَنِ فَالْكَفُّ مِنْهُمَا أَقْوَاهُمَا عَمَلاً فَإِنْ اسْتَوَتَا فِي الْعَمَلِ فَالْكَفُّ مِنْهُمَا الْمُسْتَقِيمَةُ الْمَخْرَجِ عَلَى الذِّرَاعِ وَإِنْ كَانَتَا سَوَاءً فَالْكَفُّ مِنْهُمَا التَّامَّةُ دُونَ النَّاقِصَةِ وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا زَائِدَةً وَالْأُخْرَى غَيْرَ زَائِدَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِالْكَفِّ مِنْ الْأُخْرَى, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا زَائِدَتَيْنِ مَعًا وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ كَفَّانِ فِي ذِرَاعٍ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى مُنْفَصِلَةٌ مِنْهَا فَكَانَ يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى الَّتِي تَلِي الْعَمَلَ بَطْشًا ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا وَكَانَتْ سَالِمَةً وَلاَ يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا كَانَتْ السُّفْلَى هِيَ الْكَفُّ الَّتِي فِيهَا الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ تَامًّا وَالْعُلْيَا الزَّائِدَةُ فَإِنْ كَانَ لاَ يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى بِحَالٍ فَهِيَ كَالشَّلَّاءِ وَلاَ تَكُونُ سَالِمَةَ الْأَصَابِعِ إلَّا وَهُوَ يَتَنَاوَلُ بِهَا وَإِنْ ضَعُفَ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ كَانَ يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا مِنْهُمَا كَانَتْ الْكَفُّ. وَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْبَطْشِ بِهَا وَهِيَ فِيمَا تَرَى سَالِمَةٌ فَقُطِعَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَوَدٌ وَلاَ دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ. وَلاَ تَكُونُ أَبَدًا بَاطِشَةً بِالرُّؤْيَةِ دُونَ أَنْ يُشْهَدَ لَهَا عَلَى بَطْشٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَى الْبَطْشِ, مِنْ قَبْضٍ وَبَسْطٍ وَتَنَاوُلِ شَيْءٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ قَدَمَانِ فِي سَاقٍ فَكَانَ يَطَأُ بِهِمَا مَعًا وَكَانَتْ أَصَابِعُهُمَا مَعًا سَالِمَةً لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِاسْمِ الْقَدَمِ مِنْ الْأُخْرَى, وَأَيَّتُهُمَا قُطِعَتْ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلاَ قَوَدَ فِيهَا, وَفِيهَا حُكُومَةٌ يُجَاوِزُ بِهَا نِصْفَ أَرْشِ الْقَدَمِ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَعَلَى قَاطِعِهِمَا الْقَوَدُ وَحُكُومَةٌ, وَلَوْ قُطِعَتْ الْأُولَى كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ, فَإِنْ قَطَعَ قَاطِعُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ وَهِيَ سَالِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا حِينَ انْفَرَدَتْ كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَعَ حُكُومَةِ الْأُولَى وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَلاَ قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ أَرْشِ الرِّجْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ الَّذِي قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ اللَّتَيْنِ هُمَا هَكَذَا أَقِدْنِي مِنْ بَعْضِ أَصَابِعِي لَمْ أَقِدْهُ; لِأَنَّ أَصَابِعَهُ لَيْسَتْ كَأَصَابِعِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْقَدَمَانِ فِي سَاقٍ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَقِيمَةَ الْخِلْقَةِ عَلَى مَخْرَجِ السَّاقِ وَفِي الْأُخْرَى جَنَفٌ أَوْ عِوَجٌ لِلْمَخْرَجِ عَنْ عَظْمِ السَّاقِ فَكَانَ يَطَأُ بِهِمَا مَعًا فَالْقَدَمُ الْمُسْتَقِيمَةُ عَلَى مَخْرَجِ السَّاقِ وَفِيهَا الْقِصَاصُ, وَالْأُخْرَى الزَّائِدَةُ لاَ قِصَاصَ فِيهَا, وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَلَوْ كَانَتْ الْمُسْتَقِيمَةُ عَلَى مَخْرَجِ السَّاقِ أُقْصَرَ مِنْ الْخَارِجَةِ زَائِلَةً عَنْ مَخْرَجِ السَّاقِ وَكَانَ يَطَأُ عَلَى الزَّائِلَةِ كُلِّهَا وَطْئًا مُسْتَقِيمًا فَقُطِعَتْ لَمْ أُعَجِّلْ بِالْقَوَدِ فِيهَا حَتَّى أَنْظُرَ فَإِنْ وَطِئَ عَلَى الْأُخْرَى الْمُسْتَقِيمَةِ وَطْئًا مُسْتَقِيمًا كَانَتْ هِيَ الْقَدَمُ وَكَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الْمَانِعَةُ لَهَا بِطُولِهَا فَلَمَّا ذَهَبَتْ وَطِئَ عَلَى هَذِهِ فَفِي الْأُولَى حُكُومَةٌ وَلاَ قَوَدَ وَفِي هَذِهِ إنْ قُطِعَتْ بَعْدَ قَوَدٍ وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَطَأْ عَلَى هَذِهِ بِحَالٍ كَانَتْ الْأُولَى الْقَدَمُ وَكَانَ فِيهَا الْقَوَدُ إنْ أُصِيبَتْ وَدِيَةُ الْقَدَمِ تَامَّةٌ وَفِي هَذِهِ إنْ أُصِيبَتْ بَعْدُ حُكُومَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ تُقْطَعْ وَلَكِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَشَلَّتْ فَصَارَ لاَ يَطَأُ عَلَيْهَا جَعَلْتُ فِيهَا دِيَةَ الْقَدَمِ تَامَّةً فَإِنْ قُطِعَتْ فَقَضَيْت فِيهَا بِدِيَةِ الْقَدَمِ فَوَطِئَ عَلَى الْأُخْرَى بَعْدَ قَطْعِ الَّتِي جَعَلْت فِيهَا الدِّيَةَ نَقَضْت الْحُكْمَ فِي الْأُولَى وَرَدَدْته بِفَضْلِ مَا بَيْنَ الْحُكُومَةِ وَالدِّيَةِ فَأَخَذَتْ مِنْهُمْ حُكُومَةٌ وَرَدَدْت عَلَيْهِ مَا بَقِيَ وَعَلِمْت حِينَئِذٍ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْقَدَمُ وَجَعَلْت فِي هَذِهِ الْقَوَدُ تَامًّا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ فِيهَا إذَا قُطِعَتْ مِنْ السَّاقِ وَالْفَخِذِ كَالْقَوْلِ فِي الْيَدِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ لاَ يَخْتَلِفُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُطِعَتْ أَلْيَتَا الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ أَلْيَتَا الصَّبِيِّ فَأَيُّهُمْ قُطِعَتْ أَلْيَتَاهُ عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ أَوْ صَغِيرُهُمَا فَسَوَاءٌ وَالْأَلْيَتَانِ كُلُّ مَا أَشْرَفَ عَلَى الظَّهْرِ مِنْ الْمَأْكَمَتَيْنِ إلَى مَا أَشْرَفَ عَلَى اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ وَمَا قُطِعَ مِنْهُمَا فَبِحِسَابٍ وَإِذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِصَاصِ مِنْهُمَا فَفِيهِمَا الْقِصَاصُ إنْ كَانَ قَطَعَهُمَا عَمْدًا وَمَا قُطِعَ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ فَفِيهِ بِحِسَابِ الْأَلْيَتَيْنِ وَمَا شُقَّ مِنْهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَمَا قُطِعَ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ فَبَانَ, ثُمَّ نَبَتَ وَاسْتَخْلَفَ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ فَسَوَاءٌ وَفِيمَا قُطِعَ فَأُبِينَ مِنْهُمَا بِحِسَابِ الْأَلْيَتَيْنِ وَلَوْ قُطِعَ فَلَمْ يُبَنْ, ثُمَّ أُعِيدَ فَالْتَحَمَ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ وَهَذَا كَالشِّقِّ فِيهِ يَلْتَئِمُ وَمُخَالِفٌ لِمَا بَانَ, ثُمَّ نَبَتَ غَيْرُهُ وَمَا بَانَ, ثُمَّ أُعِيدَ بِنَفْسِهِ فَثَبَتَ فَالْتَأَمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُطِعَتْ أُنْثَيَا الرَّجُلِ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْخَصِيّ فَفِيهِمَا الْقَوَدُ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ فَيَكُونُ لَهُ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَإِذَا قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَسَوَاءٌ الْيُسْرَى أَوْ الْيُمْنَى وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ فَسَقَطَتْ الْأُخْرَى عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ مِنْ إحْدَاهُمَا وَتَثْبُتُ الْأُخْرَى وَعَقْلُ الَّتِي سَقَطَتْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَأَ رَجُلاً كَمَا تُوجَأُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ عِلْمَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وُجِئَ كَانَ ذَلِكَ كَالشَّلَلِ فِي الْأُنْثَيَيْنِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كَمَا تَكُونُ عَلَى الْجَانِي دِيَةُ يَدٍ لَوْ ضُرِبَتْ يَدُ رَجُلٍ فَشُلَّتْ, وَإِنْ كَانَ لاَ يُدْرِكُ عِلْمَهُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا بِقَوْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ إنْ كَانَ أَدْرَكَ عِلْمَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ قَطُّ, وَإِذَا سُلَّتْ الْبَيْضَتَانِ وَبَقِيَتْ الْجِلْدَةُ تَمَّ عَقْلُهُمَا وَالْقِصَاصُ فِيهِمَا, وَإِنْ قَطَعَهُمَا بِالْجِلْدَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلْجِلْدَةِ وَفِيهِمَا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ وَإِذَا سُلَّتْ الْبَيْضَتَانِ, ثُمَّ قُطِعَتْ الْجِلْدَةُ فَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْجِلْدَةِ الْحُكُومَةُ, وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْجَانِي: جَنَيْت عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُوءٌ وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ; لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ وَلاَ يَجُوزُ كَشْفُهُ لَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قُطِعَتْ إسكتا الْمَرْأَةِ وَهُمَا شَفْرَاهَا, فَإِنْ قَطَعَهُ رَجُلٌ فَلاَ قِصَاصَ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ فَإِنْ قَطَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ إنْ كَانَ يُقْدَرُ عَلَى الْقِصَاصِ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَتْهُ فَلَهَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَفِي أَحَدِ شَفْرَيْهَا إذَا أُوعِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّفْرَيْنِ الدِّيَةُ فَإِنْ قُطِعَ الشَّفْرَانِ وَأَعْلَى الرَّكَبِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَإِنْ قُطِعَ الْأَعْلَى فَكَانَ الشَّفْرَانِ بِحَالِهِمَا فَفِي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَإِنْ انْقَطَعَ الشَّفْرَانِ مَعَهُمَا أَوْ مَاتَا حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ فِيهِمَا كَالشَّلَلِ فِي الْيَدِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَخْفُوضَةُ وَغَيْرُ الْمَخْفُوضَةِ, فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَقْطُوعَةَ الشَّفْرَيْنِ قَدْ الْتَحَمَا فَقَطَعَ إنْسَانٌ مَا الْتَحَمَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا شَفْرُ الصَّغِيرَةِ وَالْعَجُوزِ وَالشَّابَّةِ لاَ يَخْتَلِفُ وَسَوَاءٌ شَفْرُ الرَّتْقَاءِ الَّتِي لاَ تُؤْتَى وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ تُؤْتَى وَكَذَلِكَ أَرْكَابهنَّ كُلُّهُنَّ سَوَاءٌ لاَ تَخْتَلِفُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ: {فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ}, أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ, قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَبِهَذَا نَقُولُ فَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ قُطِعَتْ مِنْ رَجُلٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ, وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْخِنْصَرُ وَالْإِبْهَامُ وَالْوُسْطَى إنَّمَا الْعَقْلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ وَأَصَابِعُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْفَانِي وَالشَّابِّ سَوَاءٌ, وَالْإِبْهَامُ مِنْ أَصَابِعِ الْقَدَمِ مَفْصِلاَنِ فَإِذَا قُطِعَ مِنْهُمَا مَفْصِلٌ فَفِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلِمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَصَابِعِ ثَلاَثَةُ مَفَاصِلَ فَإِذَا قُطِعَ مِنْهَا مِفْصَلٌ فَفِيهِ ثَلاَثٌ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ وَإِنْ خُلِقَ لِأَحَدٍ مَفَاصِلُ أَصَابِعِهِ, سَوَاءٌ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مَفْصِلاَنِ وَكَانَتْ أَصَابِعُهُ سَالِمَةً يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا وَيَبْطِشُ بِهَا فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُشِلُّهَا فَفِي أُصْبُعِهِ إذَا قُطِعَتْ حُكُومَةٌ وَإِذَا كَانَ لِأُصْبُعِ هَذَا مَفْصِلاَنِ وَكَانَتْ سَالِمَةً فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَإِنْ قَطَعَ إحْدَى أُنْمُلَتَيْهَا فَلَهُ إنْ شَاءَ الْقِصَاصُ مِنْ أُنْمُلَةِ أُصْبُعِ الْقَاطِعِ فَإِنْ كَانَ فِي أُصْبُعِ الْقَاطِعِ ثَلاَثُ أَنَامِلَ أَخَذَ مَعَ الْقِصَاصِ سُدُسَ عَقْلِ الْأُصْبُعِ وَلَوْ خُلِقَ إنْسَانٌ لَهُ فِي أُصْبُعٍ أَرْبَعُ أَنَامِلَ كَانَتْ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ رُبُعُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ إنْ كَانَتْ أَصَابِعُهُ سَالِمَةً وَإِذَا خُلِقْت لَهُ فِي أُصْبُعٍ أَرْبَعُ أَنَامِلَ فَقَطَعَ رَجُلٌ مِنْهَا أُنْمُلَةً عَمْدًا وَلَهُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ ثَلاَثُ أَنَامِلَ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ أُنْمُلَتَهُ أَزْيَدُ مِنْ أُنْمُلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ هُوَ الَّذِي لَهُ أَرْبَعُ أَنَامِلَ وَالْمَقْطُوعُ لَهُ ثَلاَثُ أَنَامِلَ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَأَرْشُ مَا بَيْنَ رُبُعِ أُنْمُلَةٍ وَثُلُثِهَا وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ فِيهَا أَرْبَعُ أَنَامِلَ أَوْ فِيهَا أُنْمُلَتَانِ فَكَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ الْأَصَابِعِ مَعَهَا أَوْ أَقْصَرَ مِنْهَا وَهِيَ سَالِمَةٌ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا وَلَيْسَتْ كَالسِّنِّ تَسْقُطُ فَيَسْتَخْلِفُ أَقْصَرَ مِنْ الْأَسْنَانِ; لِأَنَّ الْأَصَابِعَ هَكَذَا تُخْلَقُ وَلاَ تَسْقُطُ فَتُسْتَخْلَفُ وَالْأَسْنَانُ تَسْقُطُ فَتُسْتَخْلَفُ. وَإِذَا بَقِيَتْ فِي الْكَفِّ أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلاَثٌ أَوْ أَرْبَعٌ فَقُطِعَتْ الْكَفُّ وَالْأَصَابِعُ فَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْأَصَابِعِ تَامًّا وَحُكُومَةٌ تَامَّةٌ فِي الْكَفِّ لاَ يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ, وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفُّ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ لاَ يَبْلُغُ بِحُكُومَتِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ إذَا كَانَتْ مَعَ أَصَابِعَ وَلاَ يَسْقُطُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا حُكُومَةٌ إلَّا بِأَنْ يُؤْخَذَ أَرْشُ الْيَدِ تَامًّا فَتَدْخُلُ الْكَفُّ مَعَ الْأَصَابِعِ; لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَدٌ تَامَّةٌ, وَإِذَا قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا أَوْ عَفَا أَوْ اُقْتُصَّ مِنْهَا, ثُمَّ قُطِعَتْ الْكَفُّ فَفِيهَا حُكُومَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت الْحُكُومَاتِ, وَسَوَاءٌ قَطَعَ الْكَفَّ وَالْأَصَابِعَ أَوْ غَيْرَهُ, وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى الْأَصَابِعِ عَمْدًا فَقَطَعَهَا, ثُمَّ قَطَعَ الْكَفَّ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا صَنَعَ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ, ثُمَّ كَفُّهُ, وَإِنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ أَرْشَ كَفِّهِ وَقَالَ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ. وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ أُنْمُلَتُهَا الَّتِي فِيهَا الظُّفُرِ أُنْمُلَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ فِي كِلْتَيْهِمَا ظُفُرٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَشَدَّ اسْتِقَامَةٍ عَلَى خِلْقَةِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْأُخْرَى وَلاَ أَحْسَنَ حَرَكَةٍ مِنْ الْأُخْرَى فَقَطَعَ إنْسَانٌ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَكَانَتْ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ تُجَاوِزُ نِصْفَ أَرْشِ أُنْمُلَةٍ وَإِنْ قَطَعَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةُ الْأُولَى وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَهُمَا مَعًا فَعَلَيْهِ دِيَةُ أُصْبُعٍ وَحُكُومَةٌ فِي الزِّيَادَةِ فَلَوْ خُلِقَتْ لَهُ أَصَابِعُ عَشْرٌ فِي كَفٍّ كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِيهِ لَوْ خُلِقَتْ لَهُ كَفَّانِ الْأَصَابِعُ الْمُسْتَقِيمَةُ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّينَ أَصَابِعُهُ إذَا كَانَتْ سَالِمَةً كُلُّهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ خُلِقَتْ لَهُ أُصْبُعَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا بَاطِشَةً وَالْأُخْرَى غَيْرَ بَاطِشَةٍ كَانَتْ الْبَاطِشَةُ أَوْلَى بِاسْمِ الْأُصْبُعِ. وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الرِّجْلَيْنِ كَانَ هَذَا هَكَذَا إذَا كَانَ يَطَأُ عَلَيْهَا كُلِّهَا فَإِنْ كَانَ يَطَأُ عَلَى بَعْضِهَا وَلاَ يَطَأُ عَلَى بَعْضٍ, فَإِنَّ الْأَصَابِعَ الَّتِي فِيهَا عَشْرٌ عَشْرٌ هِيَ الَّتِي يَطَأُ عَلَيْهَا, وَاَلَّتِي لاَ يَطَأُ عَلَيْهَا زَوَائِدُ إذَا قُطِعَ مِنْهَا شَيْءٌ كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ, وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ وَلِآخَرَ مِثْلُهَا فِي مِثْلِ مَوْضِعِهَا فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَمْدًا فَقَطَعَ أُصْبُعَهُ الزَّائِدَةَ قَطَعْت بِهَا أُصْبُعَهُ الزَّائِدَةَ إنْ شَاءَ إذَا كَانَتْ فِي مِثْلِ مَوْضِعِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِثْلِ مَوْضِعِهَا لَمْ تُقْطَعْ, وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الزَّائِدَتَانِ فَكَانَتْ مِنْ الْقَاطِعِ أَوْ الْمَقْطُوعِ أَتَمَّ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى إذَا كَانَتْ مَفَاصِلُهُمَا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ الزَّائِدَةُ مِنْ الْقَاطِعِ بِثَلاَثَةِ مَفَاصِلَ وَالزَّائِدَةُ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِمَفْصِلٍ وَاحِدٍ أَوْ مِثْلِ الثُّؤْلُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَمْ يُقْدَ وَكَانَتْ لَهُ حُكُومَةٌ, وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمَقْطُوعِ مِثْلُهَا مِنْ الْقَاطِعِ أَوْ مِنْ الْقَاطِعِ مِثْلُهَا مِنْ الْمَقْطُوعِ فَلِلْمَقْطُوعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقَوَدِ أَوْ حُكُومَةٍ وَبَيْنَ الْأَرْشِ لِنَقْصِ أُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ عَنْ أُصْبُعِهِ وَالْحُكُومَةُ أَقَلُّ مِنْ حُكُومَتِهَا لَوْ لَمْ يَسْتَقِدْ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ: {فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُوضِحَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ. كُلُّهُ سَوَاءٌ, وَسَوَاءٌ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ وَمُؤَخَّرُهُ فِيهَا وَأَعْلَى الْوَجْهِ وَأَسْفَلُهُ وَاللِّحَى الْأَسْفَلِ بَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ وَمَا تَحْتَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ مِنْهَا وَمَا بَرَزَ مِنْ الْوَجْهِ, كُلُّهَا سَوَاءٌ مَا تَحْتَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَمَا يَخْرُجُ مِمَّا بَيْنَ الْأُذُنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ إلَّا فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ; لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ يَبْدُوَانِ مِنْ الرَّجُلِ فَأَمَّا مُوضِحَةٌ فِي ذِرَاعٍ أَوْ عُنُقٍ أَوْ عَضُدٍ أَوْ ضِلْعٍ أَوْ صَدْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَكُونُ فِيهَا إلَّا حُكُومَةٌ. وَالْمُوضِحَةُ عَلَى الِاسْمِ فَمَا أُوضِحَ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ عَنْ الْعَظْمِ فَفِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لاَ يُزَادُ فِي كَبِيرٍ مِنْهَا وَلَوْ أَخَذَتْ قُطْرَيْ الرَّأْسِ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا قَدْرٌ مُحِيطٌ; لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى كُلٍّ اسْمُ مُوضِحَةٍ, وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ الشِّجَاجِ فَهُوَ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلاً بِشَيْءٍ فَشَجَّهُ شَجَّةً موتصلة فَأُوضِحَ بَعْضُهَا وَلَمْ يُوضَحْ بَعْضٌ كَانَ فِيهَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ فَقَطْ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أَنْ خُرِقَ الْجِلْدُ مِنْ مُوضِحٍ وَبُضِعَ مِنْ آخَرَ وَأُوضِحَ مِنْ آخَرَ فَفِيهَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ; لِأَنَّ هَذِهِ الشَّجَّةَ موتصلة قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْجِلْدِ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَنْخَرِقْ وَإِنْ وَرِمَ فَاخْضَرَّ وَأُوضِحَ مِنْ مَوْضِعَيْنِ وَالْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يَنْخَرِقْ حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا كَانَ مُوضِحَتَيْنِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَوَاضِحُ بَيْنَهُمَا فُصُولٌ لَمْ تَنْخَرِقْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْجِلْدِ شَيْءٌ لَمْ يَنْخَرِقْ, ثُمَّ تَأَكَّلَ فَانْخَرَقَ كَانَتْ مُوضِحَةً وَاحِدَةً; لِأَنَّ الشَّجَّةَ اتَّصَلَتْ مِنْ الْجِنَايَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنْتَ شَقَقْت الْمَوْضِعَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ انْشَقَّ مِنْ رَأْسِي فَلِي مُوضِحَتَانِ وَقَالَ الْجَانِي: بَلْ تَأَكَّلَ مِنْ جِنَايَتِي فَانْشَقَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ; لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ مُوضِحَتَانِ فَلاَ يُبْطِلُهُمَا إلَّا إقْرَارُهُ أَوْ بَيِّنَةٌ تَقُومُ عَلَيْهِ وَلاَ يُقَصُّ بِمُوضِحَةٍ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي أَوْ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْعَظْمَ قَدْ بَرَزَ حَتَّى قَرَعَهُ الْمِرْوَدُ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْعَظْمَ; لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحُولُ دُونَهُ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ; لِأَنَّ الدَّمَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُرَى, أَوْ شَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَى هَذَا وَيَمِينُ الْمُدَّعِي إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا لَمْ يُقْبَلْ فِيهَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَلاَ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ; لِأَنَّ الْمَالَ لاَ يَجِبُ إلَّا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ, وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي الْمُوضِحَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي أَنَّهَا لَمْ تُوضَحْ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَقَدْ حَفِظْت عَنْ عَدَدٍ لَقِيتُهُمْ وَذُكِرَ لِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَبِهَذَا أَقُولُ (قَالَ) وَالْهَاشِمَةُ الَّتِي تُوضِحُ ثُمَّ تَهْشِمُ الْعَظْمَ وَلاَ يَلْزَمُ الْجَانِي هَاشِمَةً إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِمَا وَصَفْت مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْعَظْمَ انْهَشَمَ فَإِذَا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَزِمَتْهُ هَاشِمَةٌ, وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَّةُ كَبِيرَةٌ فَهَشَّمَتْ مَوْضِعًا أَوْ مَوَاضِعَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْعَظْمِ لَمْ يَنْهَشِمْ كَانَتْ هَاشِمَةً وَاحِدَةً; لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ, وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الرَّأْسِ لَمْ تَشْقُقْهُ, وَالضَّرْبَةُ وَاحِدَةٌ فَهَشَّمَتْ مَوَاضِعَ كَانَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا انْفَصَلَ حَتَّى لاَ يَصِلَ بِهِ غَيْرُهُ مَجْرُوحًا بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ هَاشِمَةٌ وَهَذَا هَكَذَا فِي الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَسْت أَعْلَمُ خِلاَفًا فِي أَنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيَتْ لاَ أَعْلَمُ فِيهَا بَيْنَهُمْ اخْتِلاَفًا, وَالْمُنَقِّلَةُ الَّتِي تَكْسِرُ عَظْمَ الرَّأْسِ حَتَّى يَتَشَظَّى فَتُسْتَخْرَجُ عِظَامُهُ مِنْ الرَّأْسِ لِيَلْتَئِمَ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْمُنَقِّلَةُ لِأَنَّ عِظَامَهَا تُنَقَّلُ وَقَدْ يُقَالُ لَهَا الْمَنْقُولَةُ وَإِذَا نُقِلَ مِنْ عِظَامِهَا شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَذَلِكَ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ, وَلاَ يُجَاوِزُ الْهَاشِمَةَ حَتَّى يُنْقَلَ بَعْضُ عِظَامِهَا كَمَا وَصَفْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: لَسْت أَعْلَمُ خِلاَفًا فِي أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ, وَبِهَذَا نَقُولُ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وَذَلِكَ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ. وَالْآمَّةُ الَّتِي تَخْرِقُ عَظْمَ الرَّأْسِ حَتَّى تَصِلَ إلَى الدِّمَاغِ وَسَوَاءٌ قَلِيلٌ مَا خَرَقَتْ مِنْهُ أَوْ كَثِيرَةٌ كَمَا وَصَفْت فِي الْمُوضِحَةِ, وَلاَ نُثْبِتُ مَأْمُومَةً إلَّا بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا كَمَا وَصَفْت بِأَنَّهَا قَدْ خَرَقَتْ الْعَظْمَ فَإِذَا أَثْبَتُوا أَنَّهَا قَدْ خَرَقَتْ الْعَظْمَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ دُونَ الدِّمَاغِ حَائِلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَلْدَةَ دِمَاغٍ فَهِيَ آمَّةٌ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الدِّمَاغَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ بِشَيْءٍ وَأَكْثَرُ قَوْلِ مَنْ لَقِيت أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَأَنَّ فِي جَمِيعِ مَا دُونَهَا حُكُومَةٌ قَالَ وَبِهَذَا نَقُولُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ لاَ يُزَادُ إنْ شَانَتْ الْوَجْهَ, وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ الْعَقْلُ مُسَمًّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ وَفِي اللِّحَى الْأَسْفَلِ وَجَمِيعِ الْوَجْهِ, وَكَذَلِكَ هِيَ فِي اللَّحْيَيْنِ وَحَيْثُ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَتْ فِي الاحسة فَخَرَقَتْ إلَى الْفَمِ أَوْ كَانَتْ فِي اللِّحَى فَخَرَقَتْ حَتَّى تُنْفِذَ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ ثُلُثَ النَّفْسِ; لِأَنَّهَا قَدْ خَرَقَتْ خَرْقَ الْآمَّةِ وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ كَالرَّأْسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ, وَفِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْهَاشِمَةِ; لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرِقْ إلَى الدِّمَاغِ وَلاَ جَوْفٍ فَتَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَأْمُومَةِ أَوْ الْجَائِفَةِ. وَإِذَا شَانَتْ الشِّجَاجُ الَّتِي فِيهَا أَرْشٌ مَعْلُومٌ بِالْوَجْهِ لَمْ يَزِدْ فِي شَيْنِ الْوَجْهِ شَيْءٌ. وَإِذَا كَانَتْ الشِّجَاجُ الَّتِي دُونَ الْمُوضِحَةِ كَانَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ لاَ يَبْلُغُ بِهَا بِحَالٍ قَدْرَ مُوضِحَةٍ وَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مُوضِحَةٍ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَقَّتَ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْخَمْسُ فِيمَا هُوَ أَقَلَّ مِنْهَا, وَكُلُّ جُرْحٍ عَدَا الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَةٌ إلَّا الْجَائِفَةُ فَقَطْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: لَسْت أَعْلَمُ خِلاَفًا فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ} وَبِهَذَا نَقُولُ وَفِي الْجَائِفَةِ الثُّلُثُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْبَطْنِ أَوْ فِي الصَّدْرِ أَوْ فِي الظَّهْرِ إذَا وَصَلَتْ الطَّعْنَةُ أَوْ الْجِنَايَةُ مَا كَانَتْ إلَى الْجَوْفِ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ كَانَتْ مِنْ جَنْبٍ أَوْ ظَهْرٍ أَوْ بَطْنٍ فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَةِ النَّفْسِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ. وَلَوْ طُعِنَ فِي وَرِكِهِ فَجَافَتْهُ كَانَتْ فِيهَا جَائِفَةٌ. وَلَوْ طُعِنَ فِي ثُغْرَةُ نَحْرِهِ فَجَافَتْهُ كَانَتْ فِيهَا جَائِفَةٌ. وَلَوْ طُعِنَ فِي فَخِذِهِ فَمَضَتْ الطَّعْنَةُ حَتَّى جَافَتْهُ كَانَتْ فِيهَا جَائِفَةٌ وَحُكُومَةٌ بِزِيَادَةِ الطَّعْنَةِ فِي الْفَخِذِ; لِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ جَمَعَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فِي رَأْسِهِ فَمَضَتْ فِي رَقَبَتِهِ كَانَتْ فِيهَا مُوضِحَةٌ وَحُكُومَةٌ لِاخْتِلاَفِ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعِ الْجُرْحَيْنِ. وَلَوْ طَعَنَ رَجُلٌ رَجُلاً فِي حَلْقِهِ أَوْ فِي مَرِيئِهِ فَخَرَقَهُ كَانَتْ فِيهَا جَائِفَةٌ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ, وَكَذَلِكَ لَوْ طَعَنَهُ فِي الشَّرَجِ فَخَرَقَهُ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً عَدَتْ عَلَى امْرَأَةٍ عَذْرَاءَ فَافْتَضَّتْهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَيْهَا مَا نَقَصَهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ. وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعَلَيْهَا حُكُومَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى: فَيُقَالُ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ أَمَةً تَسْوَى خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ فِي الْقِيمَةِ؟ فَإِنْ قِيلَ: الْعُشْرُ, كَانَتْ عَلَيْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ قِيلَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ, كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ افْتَضَّهَا رَجُلٌ بِأُصْبُعِهِ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ فَرْجِهِ فَإِنْ افْتَضَّهَا بِفَرْجِهِ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَحُكُومَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت لاَ تَدْخُلُ فِي مَهْرِ مِثْلِهَا; لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهَا ثَيِّبًا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا عِوَضًا مِنْ الْجِمَاعِ الَّذِي لَمْ تَكُنْ هِيَ بِهِ زَانِيَةً وَلاَ تُبْطِلُ الْمَعْصِيَةُ عَنْهُ الْجِنَايَةَ إذَا كَانَتْ مَعَ الْجِمَاعِ وَلَوْ افْتَضَّهَا فَأَفْضَاهَا أَوْ أَفْضَاهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا; لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ افْتَضَّتْهَا امْرَأَةٌ أَوْ رَجُلٌ يَعُودُ بِلاَ جِمَاعٍ كَانَتْ عَلَيْهِمَا دِيَتُهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَعْنَى الْجَائِفَةِ بِسَبِيلٍ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أَوْ دُبُرِهَا عُودًا أَوْ عَصَرَتْ بَطْنَهَا فَخَرَجَ مِنْهَا خَلاَءٌ أَوْ مِنْ فَرْجِهَا دَمٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي مَعَانِي الْجَائِفَةِ وَتُعَزَّرُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ وَهَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ فِي حَلْقِهِ أَوْ حَلْقِ امْرَأَةٍ شَيْئًا حَتَّى يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ عُزِّرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا فِي الْجَائِفَةِ, وَلَوْ كَانَتْ بِرَجُلٍ جَائِفَةٌ فَأَدْخَلَ رَجُلٌ فِيهَا أُصْبُعَهُ أَوْ عَصَا أَوْ جَرِيدًا حَتَّى وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَادَ فِي الْجَائِفَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَرْشٌ وَإِنْ كَانَ زَادَ فِيهَا ضَمِنَ مَا زَادَ وَإِنْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ جَائِفَتَهُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنَايَتِهِ, ثُمَّ شَقَّ فِي بَطْنِهِ شَقًّا إلَى الْجَوْفِ فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ, وَإِنْ شَقَّ مَا لاَ يَبْلُغُ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ نَكَأَ فِي الْجَوْفِ شَيْئًا فَفِيهِ حُكُومَةٌ, وَإِنْ خَرَقَ بِالسِّكِّينِ الْأَمْعَاءَ ضَمِنَ النَّفْسَ كُلَّهَا إنْ مَاتَ وَلاَ أَحْسِبُهُ يَعِيشُ إذَا خَرَقَ أَمْعَاءَهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَعِيشُ بِخَرْقِ الْأَمْعَاءِ كَالذَّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَخْرِقْهُ وَنَكَأَ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ضَمِنَ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ وَجَعَلْت الْمَوْتَ مِنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَجِنَايَتِهِ الثَّانِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ عُودًا فِي حَلْقِهِ أَوْ مَوْضِعًا مِنْهُ فَلاَ يَكُونُ فِيهِ مَا فِي الْجَائِفَةِ, وَإِذَا لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا ضَمِنًا مِمَّا صَنَعَ بِهِ فَهُوَ قَاتِلٌ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ, وَإِذَا طَعَنَهُ جَائِفَةً فَأَنْفَذَهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ أَوْ رَدَّ الرُّمْحَ فِيهَا فَجَافَهُ إلَى جَنْبِهَا وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَمْ يَخْرِقْهُ فَهِيَ جَائِفَتَانِ, وَهَكَذَا لَوْ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ فِيهِ سِنَّانِ مُفْتَرِقٍ فَخَرَقَهُ خَرْقَيْنِ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَلَمْ يَخْرِقْ مَا بَيْنَ الْجَائِفَتَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أُصِيبَ بَطْنُ رَجُلٍ فَخِيطَ فَلَمْ يَلْتَئِمْ حَتَّى طَعَنَهُ رَجُلٌ فَفَتَقَ الْخِيَاطَةَ وَجَافَهُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ الْتَأَمَ فَطَعَنَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي طُعِنَ فِيهِ فَالْتَأَمَ فَعَلَيْهِ جَائِفَةٌ. وَهَذَا هَكَذَا فِي كُلِّ الْجِرَاحِ فَلَوْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلاً مُوضِحَةً فَلَمْ تَلْتَئِمْ حَتَّى شَجَّهُ رَجُلٌ عَلَيْهَا مُوضِحَةً كَانَتْ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ, وَلَوْ بَرَأَتْ وَالْتَأَمَتْ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَةٍ تَامٌّ وَالْقَوَدُ إنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ عَمْدًا وَالِالْتِئَامُ يَلْتَصِقُ اللَّحْمُ وَيَعْلُوهُ الْجِلْدُ وَإِنْ ذَهَبَ شَعْرُ الْجِلْدِ أَوْ كَانَ الْجِلْدُ فِي الْبَطْنِ أَوْ الرَّأْسِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَعَمَّا عَلَيْهِ سَائِرُ الْجَسَدِ إذَا كَانَ جِلْدًا مُلْتَئِمًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَصَابَهُ بِجَائِفَةٍ فَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: قَدْ نَكَأَ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ مِعًى أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ جَائِفَةٌ وَحُكُومَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ مَا نَالَهُ بِهِ فَصَارَ جَائِفَةً مِنْ حَدِيدٍ أَوْ شَيْءٍ مُحَدَّدٍ يُشْبِهُ الْحَدِيدَ فَأَنْفَذَهُ مَكَانَهُ أَوْ قَرْحٍ وَأَلَمٍ حَتَّى يَصِيرَ جَائِفَةً فَعَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ وَلَوْ كَانَ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى أُكْرَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا إذَا أَثَّرَتْ, ثُمَّ أَلَمٍ مِنْ مَوْضِعِ الْأَثَرِ حَتَّى تَصِيرَ جَائِفَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَفِي الضِّلْعِ جَمَلٌ وَيُشْبِهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِيمَا وَصَفْت حُكُومَةً لاَ تَوْقِيتَ عَقْلٍ فَفِي كُلِّ عَظْمٍ كُسِرَ مِنْ إنْسَانٍ غَيْرُ السِّنِّ حُكُومَةٌ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَمَا يُؤْخَذُ فِي الْحُكُومَاتِ كُلِّهَا بِسَبَبِ الدِّيَاتِ فِي الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْإِبِلِ; لِأَنَّهَا مِنْ سَبَبِ الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ وَإِذَا جُبِرَ الْعَظْمُ مُسْتَقِيمًا لاَ عَيْبَ فِيهِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِذَا جُبِرَ مَعِيبًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ شَيْنِهِ وَضَرَرِهِ وَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إذَا جُبِرَ صَحِيحًا لاَ عَتْمَ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَسَرَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ الرَّجُلِ فَشُلَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَلَوْ لَمْ تَشْلُلْ وَبَرَأَتْ مُعْوَجَّةً أَوْ نَاقِصَةً أَوْ مَعِيبَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ لاَ يَبْلُغُ بِهَا دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَهَذَا هَكَذَا فِي الْكَفِّ إنْ بَرَأَتْ مُعْوَجَّةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ, وَإِنْ شُلَّ شَيْءٌ مِنْ الْأَصَابِعِ فَفِيمَا شَلَّ مِنْ الْأَصَابِعِ عَقْلُهُ تَامًّا وَفِي الْكَفِّ إنْ عِيبَتْ بِعِوَجٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الذِّرَاعِ فَبَرَأَتْ مُتَعَوِّجَةً فَقَالَ الْجَانِي: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَسْرِهَا لِتُجْبَرَ مُسْتَقِيمَةً لَمْ يُكْرَهْ عَلَى ذَلِكَ الْمَكْسُورَةُ ذِرَاعُهُ وَجُعِلَتْ عَلَى الْجَانِي أَوْ عَاقِلَتِهِ حُكُومَةٌ فِي جِنَايَتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَسَرَهَا بَعْدَمَا بَرِئَتْ مُتَعَوِّجَةً فَبَرَأَتْ مُسْتَقِيمَةً كَانَتْ لَهُ الْحُكُومَةُ بِحَالِهَا الْأُولَى مُتَعَوِّجَةً; لِأَنَّ ذَهَابَ الْعِوَجِ مِنْ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ بَعْدُ وَهَذَا هَكَذَا فِي كَسْرِ الْعِظَامِ كُلِّهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَسَرَ يَدًا فَعُصِبَتْ غَيْرَ أَنَّ الْيَدَ تَبْطِشُ نَاقِصَةَ الْبَطْشِ أَوْ تَامَّتَهُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ يُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَنَقْصِ الْبَطْشِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ مِنْ الْأَصَابِعِ شَيْءٌ أَوْ يُشَلَّ فَيَكُونُ فِيهِ عَقْلُهُ تَامًّا, وَكَذَلِكَ الْعِوَجُ وَكُلُّ عَيْبٍ كَانَ مَعَ هَذَا. وَإِنْ كَسَرَ سَاقَهُ أَوْ فَخِذَهُ فَبَرَأَتْ عَوْجَاءَ أَوْ نَاقِصَةً يَبِينُ الْعِوَجُ فِيهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ الْعِوَجُ, وَكَذَلِكَ إنْ كَسَرَ الْقَدَمَ أَوْ شُلَّتْ أَصَابِعُ الْقَدَمِ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَفِيهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَإِذَا سَلِمَتْ الْأَصَابِعُ وَعِيبَتْ الْقَدَمُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْعَيْبِ وَنَقْصِ الْمَنْفَعَةِ مِنْهُ, وَإِنْ كَسَرَ الْقَدَمَ أَوْ مَا فَوْقَهَا إلَى الْفَخِذِ أَوْ الْوَرِكِ وَبَرَأَتْ يَطَأُ عَلَيْهَا وَطْئًا ضَعِيفًا فَفِيهَا حُكُومَةٌ فَيُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْأَلَمِ وَالنَّقْصِ وَالْعَيْبِ, وَهَكَذَا إنْ قَصُرَتْ وَأَصَابِعُ الرَّجُلِ سَالِمَةً حَتَّى لاَ يَطَأَ بِهَا الْأَرْضَ إلَّا مُعْتَمِدًا عَلَى شِقٍّ مُعَلِّقًا الرِّجْلَ الْأُخْرَى فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ مَا نَالَهُ, وَلَوْ أَصَابَهَا مِنْ هَذَا شَيْءٌ لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَهُ وَيَبْسُطَهَا فَكَانَتْ مُنْقَبِضَةً لاَ تَنْبَسِطُ أَوْ مُنْبَسِطَةً لاَ تَنْقَبِضُ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ عَلَيْهَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا وَلاَ عَلَى شَيْءٍ بِحَالٍ, ثُمَّ عَقَلَهَا وَكَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا مِنْ وَرِكٍ أَوْ سَاقٍ أَوْ قَدَمٍ أَوْ فَخِذٍ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوَطْءِ بِحَالٍ تَمَّ عَقَلَهَا وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا بَعْدَ تَمَامِ عَقْلِهَا جَانٍ فَقَطَعَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ دِيَةُ رِجْلٍ تَامَّةٌ وَلاَ قَوَدَ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهَا عَمْدًا, وَلَوْ جَنَى جَانٍ عَلَى رَجُلٍ أَعْرَجَ, وَرِجْلُهُ سَالِمَةُ الْأَصَابِعِ يَطَأُ عَلَيْهَا فَقَطَعَهَا مِنْ الْمَفْصِلِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمْدًا فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ إنْ شَاءَ فِي الْعَمْدِ فِي مَالِ الْجَانِي وَنِصْفُهَا خَطَأٌ فِي أَمْوَالِ عَاقِلَةِ الْجَانِي. وَهَكَذَا الْأَعْسَرُ يُجْنَى عَلَى يَدِهِ سَالِمَةَ الْأَصَابِعِ وَالْبَطْشِ, وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَضَرَبَ بَيْنَ وَرِكَيْهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَمَنَعَهُ الْمَشْيَ وَرِجْلاَهُ تَنْقَبِضَانِ وَتَنْبَسِطَانِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَمَتَى أَعْطَيْته الدِّيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي بِهَا أَعْطَيْته الدِّيَةَ, ثُمَّ عَادَ إلَى حَالِهِ رَدَدْت بِهَا مَا أَخَذْت مِمَّنْ أَخَذْت مِنْهُ الدِّيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَشْيَ وَلَكِنَّهُ مَنَعَهُ الْمَشْيَ إلَّا مُعْتَمِدًا أَعْرَجَ أَوْ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ فَعَلَى الْجَانِي حُكُومَةٌ لاَ دِيَةٌ فَإِذَا قُطِعَتْ رِجْلُ هَذَا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ لِسَلاَمَةِ الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُعْتَمِدًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا كَمَا تَكُونُ الدِّيَةُ تَامَّةٌ فِي الْعَيْنِ يُبْصِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَعْفٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِنْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَالْتَوَتْ عُنُقُهُ مِنْ جِنَايَتِهِ حَتَّى يُقْلَبَ وَجْهُهُ فَيَصِيرَ كَالْمُلْتَفِتِ أَوْ أَصَابَ ذَلِكَ رَقَبَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْوَجَّ وَجْهُهُ أَوْ يَبِسَتْ رَقَبَتُهُ فَصَارَ لاَ يَلْتَفِتُ أَوْ يَلْفِتُ الْتِفَاتًا ضَعِيفًا وَهُوَ يُسِيغُ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ وَالرِّيقَ وَيَتَكَلَّمُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ يُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ وَمَبْلَغِ نَقْصِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ كَلاَمَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَعَهُ إسَاغَةُ الْمَاءِ زِيدَ فِي الْحُكُومَةِ فَإِنْ مَنَعَهُ ذَلِكَ إسَاغَةَ الطَّعَامِ إلَّا أَنْ يُوجِرَهُ أَوْ الْمَضْغَ إلَّا نُغَبًا نُغَبًا زِيدَ فِي الْحُكُومَةِ وَلاَ يَبْلُغُ بِهَا بِحَالٍ دِيَةً تَامَّةً وَلَوْ نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِهِ حَتَّى صَارَ لاَ يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْكَلاَمِ كَانَتْ فِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْ كَلاَمِهِ وَحُكُومَةٌ لِمَا أَصَابَهُ سِوَاهُ لِأَنَّ مَا أَصَابَهُ غَيْرُ الْكَلاَمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ذَهَبَ كَلاَمُهُ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَحُكُومَةٌ فِيمَا صَارَ إلَى عُنُقِهِ مِنْ الْجِنَايَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَارَ لاَ يَسِيغُ طَعَامًا وَلاَ شَرَابًا كَانَ هَذَا لاَ يَعِيشُ فِيمَا أَرَى فَيُتَرَبَّصُ بِهِ فَإِنْ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ عَاشَ وَأَسَاغَ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَسَرَ الرَّجُلُ صُلْبَ الرَّجُلِ فَمَنَعَهُ أَنْ يَمْشِيَ بِحَالٍ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فَإِنْ مَشَى مُعْتَمِدًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ مِشْيَتُهُ وَبَرَأَ مُسْتَقِيمًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ بَرَأَ مُعْوَجًّا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَيُزَادُ عَلَيْهِ فِي الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ الْعِوَجِ وَإِنْ ادَّعَى أَنْ قَدْ أَذْهَبَ الْكَسْرُ جِمَاعَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِذَلِكَ عَلاَمَةٌ تُعْرَفُ بِوَصْفِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ تَامَّةٌ لاَ حُكُومَةَ مَعَهَا; لِأَنَّ ذَهَابَ الْجِمَاعِ إنَّمَا كَانَ فِي الْعَيْبِ بِالصُّلْبِ وَالْجِمَاعُ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَائِمٍ كَالْكَلاَمِ بِاللِّسَانِ مَعَ الرَّقَبَةِ وَلَكِنْ لَوْ أَشَلَّ ذَكَرُهُ بِالْكَسْرِ أَوْ قَطَعَهُ بِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ; لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ جِنَايَةٌ عَلَى صُلْبٍ فَوَلَدَتْ عَلَى شَيْءٍ قَائِمٍ غَيْرِ الصُّلْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ عَلاَمَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ: إنَّ مَعْلُومًا أَنَّ الْجِمَاعَ قَدْ يَذْهَبُ مِنْ كَسْرِ الصُّلْبِ وَكَانَ إنْ تَرَبَّصَ وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَمْ تَنْتَشِرْ آلَتُهُ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ لاَ تَنْتَشِرُ تُرِكَ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ قَالَ لَمْ تَنْتَشِرْ حَلَفَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتٌ وَقِيلَ: هَذَا قَدْ يَذْهَبُ وَيَأْتِي حَلَفَ مَا انْتَشَرَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ فِي ذَهَابِ الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ الْجِمَاعِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَهَابَ الْجِمَاعِ يَكُونُ مِنْ كَسْرِ الصُّلْبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَهُ حُكُومَةٌ لاَزِمَةٌ وَلَوْ كُسِرَ الصُّلْبُ قَبْلَ الذَّكَرِ حَتَّى يَصِيرَ لاَ يُجَامِعُ بِحَالٍ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فِي الذَّكَرِ وَحُكُومَةٌ فِي الصُّلْبِ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَشْيَ بِحَالٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَأَنْفَذَ لَحْمَهُ وَعَظْمَهُ حَتَّى بَلَغَتْ ضَرْبَتُهُ الْمُخَّ أَوْ خَرَقَتْ الْعَظْمَ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ لاَ ثُلُثُ عَقْلِ الْعُضْوِ وَلاَ ثُلُثَاهُ كَانَتْ الْحُكُومَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَ الْعَظْمَ حَتَّى يَسِيلَ مُخُّهُ أَوْ أَشْظَاهُ حَتَّى يَخْرُجَ مُخُّهُ وَيَنْكَسِرَ فَيَنْبُتَ مَكَانَهُ عَظْمٌ غَيْرُهُ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِنْ كَسَرَ رَجُلٌ عَظْمًا مِنْ عِظَامِ رَجُلٍ أَوْ جَنَى جِنَايَةً عَلَيْهِ مَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبُ ذَهَابِ الْعَقْلِ أَرْشٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْشُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَيَكُونُ فِيهَا الْأَكْثَرُ مِنْ الدِّيَةِ وَأَرْشُهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَيَشُجَّهُ مَأْمُومَةً أَوْ يَنَالَ بِجَائِفَةٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثُلُثٌ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فَنَقَصَتْ عَقْلَهُ وَلَمْ تُذْهِبْهُ أَوْ أَضْعَفَتْ لِسَانَهُ أَوْ أَوْرَثَتْهُ فَزَعًا كَانَ فِيهَا حُكُومَةٌ يُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ مَا نَالَهُ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فِي غَيْرِ يَدِهِ فَأَشَلَّتْ يَدَهُ كَانَ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ كَأَنَّهَا كَانَتْ مَأْمُومَةً فَيُجْعَلُ فِيهَا الثُّلُثُ وَفِي إشْلاَلِ الْيَدِ النِّصْفُ وَإِنْ شُلَّتْ رِجْلُهُ مَعَ يَدِهِ كَانَتْ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ; لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ لَهَا حُكْمٌ مَعْلُومٌ أَهْلَكَتْ عُضْوَيْنِ لَهُمَا حُكْمٌ مَعْلُومٌ وَلَوْ أَصَابَهُ بِمَأْمُومَةٍ فَأَوْرَثَتْهُ جُبْنًا أَوْ فَزَعًا أَوْ غَشْيًا إذَا فَزِعَ مِنْ رَعْدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ فِيهَا مَعَ الْمَأْمُومَةِ حُكُومَةٌ لاَ دِيَةٌ وَإِذَا جَنَى عَلَيْهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَفِي ذَهَابِ عَقْلِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَهَابِ عَقْلِهِ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَهَا أَرْشٌ مَعْلُومٌ فَعَلَيْهِ أَرْشُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ مَعَ الدِّيَةِ فِي ذَهَابِ الْعَقْلِ وَلَوْ صَاحَ عَلَيْهِ أَوْ ذَعَرَهُ بِشَيْءٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا إذَا كَانَ الْمَصِيحُ عَلَيْهِ بَالِغًا يَعْقِلُ شَيْئًا, وَكَذَلِكَ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكِبٌ دَابَّةً أَوْ جِدَارًا فَسَقَطَ فَمَاتَ أَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ عَلَى الصَّائِحِ شَيْئًا, وَلَكِنْ لَوْ صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ لاَ يَعْقِلُ أَوْ فَزَّعَهُ فَسَقَطَ مِنْ صَيْحَتِهِ ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ عَقْلُ الصَّبِيِّ ضَمِنَ دِيَتَهُ وَالصِّيَاحُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إذَا كَانَتْ مِنْهُ جِنَايَةً يَضْمَنُهَا الصَّائِحُ; لِأَنَّهُمَا لاَ يُفَرِّقَانِ بَيْنَ الصِّيَاحِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ عَدَا رَجُلٌ عَلَى بَالِغٍ يَعْقِلُ بِسَيْفٍ فَلَمْ يَضْرِبْهُ بِهِ وَذَعَرَهُ ذُعْرًا أَذْهَبَ عَقْلَهُ لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ عَلَيْهِ دِيَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا لَمْ تَقَعْ بِهِ جِنَايَةٌ وَأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ الْبَالِغِينَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لاَ يُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً عَدَا عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ وَلَمْ يَنَلْهُ بِهِ وَجَعَلَ يَطْلُبُهُ وَالْمَطْلُوبُ يَهْرُبُ مِنْهُ فَوَقَعَ مِنْ ظَهْرِ بَيْتٍ يَرَاهُ فَمَاتَ لَمْ يَبِنْ لِي أَنْ يَضْمَنَ هَذَا دِيَتَهُ; لِأَنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ فَغَرِقَ أَوْ نَارٍ فَاحْتَرَقَ أَوْ بِئْرٍ فَمَاتَ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا فَوَقَعَ فِيمَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ حُفْرَةٍ خَفِيَّةٍ أَوْ شَيْءٍ خَفِيٍّ أَوْ مِنْ ظَهْرِ بَيْتٍ فَانْخَسَفَ بِهِ فَمَاتَ ضَمِنْت عَاقِلَةُ الطَّالِبِ دِيَتَهُ; لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ إلَى هَذَا وَلَمْ يُحْدِثْ الْمَيِّتُ عَلَى نَفْسِهِ مَا تَسْقُطُ بِهِ الْجِنَايَةُ عَنْ الْجَانِي عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَضَ لَهُ بِدُبٍّ يَطْلُبُهُ إيَّاهُ أَوْ أَسَدٍ فَأَكَلَهُ أَوْ فَحْلٍ فَقَتَلَهُ أَوْ لِصٍّ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ الطَّالِبُ شَيْئًا; لِأَنَّ الْجَانِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً سَلَخَ شَيْئًا مِنْ جِلْدِ بَدَنِ رَجُلٍ فَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَائِفَةً وَعَادَ الْجِلْدُ فَالْتَأَمَ أَوْ سَقَطَ الْجِلْدُ فَنَبَتَ جِلْدٌ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَاسْتُطِيعَ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِلَّا فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ وَإِذَا بَرَأَ الْجِلْدُ مَعِيبًا زِيدَ فِي الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ عَيْبِ الْجِلْدِ مَعَ مَا نَالَهُ مِنْ الْأَلَمِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي رَأْسِهِ أَوْ الْجَسَدِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا أَوْ فِي بَعْضِهِمَا فَنَبَتَ الشَّعْرُ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ إنْ كَانَ خَطَأً لاَ يُبْلَغُ بِهَا دِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ زِيدَ فِي الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ الشَّيْنِ مَعَ الْأَلَمِ وَلَوْ أَفْرَغَ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ أَوْ لِحْيَتِهِ حَمِيمًا أَوْ نَتْفَهُمَا وَلَمْ تَنْبُتَا كَانَتْ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ يُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَلَوْ نَبَتَا أَرَقَّ مِمَّا كَانَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ نَبَتَا وَافِرَيْنِ كَانَتْ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ يُنْقَصُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ شَيْئًا وَيُزَادُ فِيهَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ شَيْئًا وَلَوْ حَلَقَهُ حَلَّاقٌ فَنَبَتَ شَعْرُهُ كَمَا كَانَ أَوْ أَجْوَدَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَالْحِلاَقُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ; لِأَنَّ فِيهِ نُسُكًا فِي الرَّأْسِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ أَلَمٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي اللِّحْيَةِ لاَ يَجُوزُ فَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ أَلَمٍ وَلاَ ذَهَابُ شَعْرٍ; لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الشَّعْرُ نَاقِصًا أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً حَلَقَ غَيْرَ شَعْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَلَمْ يَنْبُتْ أَيَّ مَوْضِعٍ كَانَ الشَّعْرُ أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ قِلَّةِ شَيْنِهِ وَسَوَاءٌ مَا ظَهَرَ مِنْ النَّبَاتِ مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ أَوْ بَطْنٍ إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ إنْ كَانَ أَفْضَى إلَى أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ, وَكَذَلِكَ هُوَ مِنْ امْرَأَةٍ إلَّا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ مِنْ امْرَأَةٍ وَلاَ يَرَاهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ. وَكَذَلِكَ مَا حَلَقَ مِنْ رِقَابِهِمَا مِنْ دُونِ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ لِحْيَةُ رَجُلٍ مُنْتَشِرَةٌ فِي حَلْقِهِ فَحَلَقَهَا رَجُلٌ فَلَمْ تَنْبُتْ كَانَتْ عَلَيْهِ فِيهَا حُكُومَةٌ وَمَا قُلْت مِنْ هَذَا فِيهِ حُكُومَةٌ فَلَيْسَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرَ مِنْ الْحُكُومَةِ فِي خِلاَفِهِ وَإِنَّمَا قُلْت إنَّ فِي شَعْرِ الْبَدَنِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ حُكُومَةٌ دُونَ الْحُكُومَاتِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إذَا ذَهَبَ الشَّعْرُ; لِأَنَّ أَثَرَ شَيْنِهِ عَلَى الرَّجُلِ دُونَ شَيْنِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَجُعِلَتْ فِي ذَهَابِهِ بِلاَ أَثَرٍ فِي الْبَدَنِ; لِأَنَّ نَبَاتَ الشَّعْرِ أَصَحُّ وَأَتَمُّ لَهُ وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلاً ضَرْبًا لَمْ يُذْهِبْ لَهُ شَعْرًا أَوْ لَمْ يُغَيِّرْ لَهُ بَشَرًا غَيْرَ أَنَّهُ آلَمَهُ فَلاَ حُكُومَةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَيُعَزَّرُ الضَّارِبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ غَيَّرَ جِلْدَهُ أَوْ أَثَّرَ بِهِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَائِمَةٌ. وَلَوْ خُلِقَتْ لِامْرَأَةٍ لِحْيَةٌ وَشَارِبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَحَلَقَهُمَا رَجُلٌ أُدِّبَ وَكَانَتْ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ أَقَلَّ مِنْهَا فِي لِحْيَةِ الرَّجُلِ; لِأَنَّ اللِّحْيَةَ مِنْ تَمَامِ خِلْقَةِ الرَّجُلِ وَهِيَ فِي الْمَرْأَةِ عَيْبٌ إلَّا أَنِّي جَعَلْت فِيهَا حُكُومَةً لِلتَّعَدِّي وَالْأَلَمِ (قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتُ أَوْ نَبَتَ نَاقِصًا فَأَمَّا إذَا نَبَتَ وَلَمْ يَكُنْ قُطِعَ مِنْ جُلُودِهِمَا شَيْءٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّعْزِيرُ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَأَنَا أَقُولُ بِهِ.
|